عندما استيقظ صاحب الدراجة في الذاكرة

كان منظرنا مضحكا و نحن نرتمي على الأرض.تشابكت عجلات الدراجتين والتوت يدي نظارتك وهربت اوراقي المطوية من محفظتي ، كل شيء بدا مبعثرا وطفوليا حولنا مع أننا كنا لحظات قبلها ماضيين بهدوء وتناغم كشخصين متحضرين متاح لهما أن يرمزا لتوازن الكون.
لم أعلم أن المعدن الذهبي يصير مطاطيا بين يديك وأنك ستعيد نظارتك إلى شكلهما السابق لتتأملني مليا وتعتذر فيشابك اعتذارك اعتذاري ونضحك.
من كان المخطئ لاأدري فلم نكن على عجل ولم يكن هناك ازدحام لكنني أعترف بأني كنت حالمة،صور جميلة كانت تمر في ذهني مروج من لوحات رونوار ومقاطع من ربيع فيفالدي ومناظر زنابق كانت تستقبلني على أعتاب بيت جدتي..
لم يصبني أذى ولاأنت و أوراقي المطوية كانت فارغة ولم يضرني اتساخ بعضها؛ وقفنا لنمشي جنبا إلى جنب ونكتشف أننا نقصد نفس المكان.
لا أعرف لماذا سعيت لتجديد اعتذاري ، ربما هي عادة من عاداتي اللصيقة التي أسعى بها للتخلص من كل الذنوب و التطهر أمام نفسي، لكنك طمأنتني وقلت أنها لعنة صاحب الدراجة ربما!
لم أفهم فاسترسلت في الشرح.
للدراجة حكاية، فهذه الدراجة مارست عليك فن الغواية، كانت تتطلع إليك كل مساء وأنت عائد إلى بيتك وترميك بسهام جمالها و حداثتها وفي اليوم الوحيد الذي نسي صاحبها إحكام القفل عليها شاء قدرها أن تكون من نصيبك.
واجهتك بحقيقة أنك بتصرفك ذاك سارق فبرأت نفسك وقلت أن من لا يضع قفلا على دراجته في المدينة المزدحمة، مستعد للتنازل عنها وأن الصدفة المناسبة حين توازي الرغبة المُلحة تسمح بحدوث قدر يسعدنا يبيح لنا عدم الشعور بالذنب.
لم أكن أملك غير ابتسامتي وخطانا تتابع على الجسر وأنا أتخيل منظر المسكين الذي لم يجد دراجته في انتظاره وأتخيلك أنت تمتطيها وخصلات شعرك الذهبي الطويل تتطاير متراقصة في الهواء.
كنت أحب الجسور ولازلت ومهما كان حديثك شيقا ونحن نمشي على الجسر فإنني ولابد أغرقت بعضا منه في النهر.
غمامات داكنة طاردتنا وأمطرتنا ومن حسن حظنا أننا كنا على وشك الوصول .
تحت سقف المتحف وقفنا نتأمل زخات المطر ونأخذ أنفاسنا قبل الولوج ، أخبرتني عن صديقتك الصغيرة التي خبأتها تحت معطفك في فيينا ذات يوم ممطر وكيف أن العصافير المبللة تذكرك بها وعلمت أنك عازف كمان محترف.
في المتحف اكتشفنا أننا نستطيع أن نحيي آلاف الذكريات مع جرَّة ريشة وسحر لون غامض وضحكنا مجددا ساخرين من سيرة الفنانين وجنون العبقرية.
أمام باب المتحف الفسيح ودعنا بعضنا ودراجتنا إلينا ترنو، نسينا إقفالها ولم يأخذها أحد؛ لاأعرف لما انتابتني رغبة في الإختفاء بسرعة وسلك طريق مخالف لطريقك لكن صوتك القريب الذي فاجئني وأنا أظن أني ابتعد كاد يسقطني.
"أريد أن أسألك فقط قبل أن تغيبي هل أنت سارقة؟ لقد أخذت قطعة من قلبي الذي لم أُحكِم إقفاله اليوم".
ابتسمت ولازلت لا أعرف إلى اليوم لما لم أجبك وإن كان لدي فعلا إجابة!!
Nassira