القط الصغير الأسود.للكاتبة الفرنسية: كوليت/ ترجمة نصيرة تختوخ

لقد عشت القليل في الدنيا حيث كنت أسودا؛أسودا كليا دون أدنى بقعة بياض على صدري أو أثر نجمة بيضاء على جبيني.
لم تكن لي حتى تلك الشعيرات الثلاث أو الأربع البيضاء التي تكون عند القطط السوداء في طية الحنجرة أسفل الذقن.
كنت قطا أسودا بمعنى الكلمة، مكسوا بكثافة بفرو قصير خام؛ أحمل ذيلا نحيفا هوائيا وبعيون بلون نبيذ العنب الأخضر ونظرات تبعث على الريبة.
أبعد ذكرياتي تعود لمسكن التقيت فيه بقط أبيض، أتى من قاعة طويلة مظلمة.
قط أبيض صغير دفعني إليه إحساس غامض فوقفت أمامه.
وقفنا الأنف مقابل الأنف،قفز إلى الخلف وقفزت في نفس اللحظة إلى الخلف أيضا.
لو لم أقفز ذلك اليوم ربما لعشت لحد الآن في عالم الألوان و الأصوات والأشكال الملموسة.
لكني قفزت و القط الأبيض ظن أنني ظله الأسود.حاولت بلا جدوى إقناعه بأنني أيضا أملك ظلي الخاص لكنه أبى إلا أن أكون ظله و أقلد كل حركاته بلا مكافأة ولا ثناء.
إذا رقص كان علي أن أرقص و إن شرب كان علي أن أشرب و إن أكل كان علي أن آكل وأن اصطاد صيده هو.
لكني كنت أشرب ظل مائه وآكل ظل اللحم الذي يأكل وأنتظر انتظارا مملا في المخبإ تحت ظل العصفور.
لم يكن القط الأبيض يحب عيوني الخضراء التي رفضت أن تكون ظلالا لعيونه الزرقاء وكان يلعنها ويترصدها بمخالبه فتعودت أن أغلقها وأن أكتفي بالظلال السائدة خلف جفوني وهناك كمنت تعاسة حياة قط صغير أسود.
في الليالي المقمرة كنت أهرب وأرقص بوَهَنٍ أمام الحائط الأبيض لأرى مجددا ظِلاًّ لي : ظلا نحيفا ومقوسا مع كل قمر كان يبدو أنحفا حتى صارت نحافته تشبه الذوبان.
هكذا كنت أفلت من القط الأبيض الصغير لكن هروبي كان صورة مُشَوَّشة؛هل كنت أتسلق شعاع القمر؟ هل كنت أحبس نفسي للأبد خلف جفوني المقفلة؟ هل كانت تناديني إحدى القطط السحرية التي تبرز من قاع المرايا؟ لاأعلم؛ لكن القط الأبيض اعتقد أنه فقد ظله وصار يبحث عنه و يناديه طويلا وأنا رغم موتي لم أعرف طعم الراحة لأنني أشك؛يساورني الشك أكثر فأكثر في أنني كنت قطا حقيقيا وأنني لم أكن ظلا ، أنني لم أكن نِصْفا ليليا ، لم أكن سوادا مقابلا للقط الأبيض.

Nassira