أبي الذهاب والبقاء

في الصباح الذي توفي فيه والدي خرجتُ من العالم راكضة في حزني مُمَزِّقَةً كل الأسلاك الشائكـة بين الواقع والأماني كي أحول أمنية بقاء الغالي إلى حقيقة وخُيِّلَ لي أنِّي فشلت.
عدتُ منهكـة بعد أن غاب موكب الجنازة عن الأنظار ولم يكن لأحدٍ أن يتبين المسافات التي قطعتها والجروح النازفـة التي انفتحت بداخلي ولُذْتُ مسالمة للصمت.
اكتظ البيت بالكلام والدموع والأشياء واللام
رئي الوحيد الحاضر كان أبي.
أبي الهادئ الذي حدث أن أنهكته السخافات العابثة بالطاقة، أقَرَّ الجميع أنه غادر إلى الأبديـة.
معنى ذلك أنه لن يعود جسداً ليجالسنا ويكلمنا ويروح ويجيء على مدار النهار. معنى ذلك أنه ماتَ فعلاً وأن لا ركضي ولا دعائي ولا بكائي أعادوه.
بدا أنَّني فشلت وهذه الجمعة مثال مضاد يشهد بالعكس. لم يَغب أبٌ له ابنة تستحضر الجمـيل فيه وتُذَكِّرُ بوجوده الممتد بروعـة في دنيا الأحيـــاء. تدعو له بتلك الرحمـة الإلهية الرحبة وبذلك الرِّفق الرَّؤوف وتلك الجنـة التي كان يرومها لينعم فيها راضياً، مرضياً بلا مضايقات ولا إزعاج. تُحبه كأمس، ككل يوم بصدق ، بعاطفـة رائـعة تنجح في التَّشُكل عندما يكبر الأبناء في ظلال نفوس بلا حواف، فيها المحبـة شمس لا تغيب والعطاء مشوار بلا وصول.
Nassira  17-05-2013