ترجمتي من مقطع من حوار بول فان دير فيلده مع الصحافي فوكه أوبيما: 'مامغزى الحياة؟'

 بول فان دير فيلده أستاذ الديانات الأسيوية في كلية الفلسفة والثيولوجيا والعلوم الدينية في جامعة رادباود بمدينة نايميخين الهولندية

ترجمتي من مقطع من حواره مع الصحافي فوكه أوبيما.
الصحافي: 'مامغزى الحياة؟'
بول فان دير فيلده:' هناك نكتة لطيفة بهذا الشأن. تقول عندما خلق الإله الأرض وعرض أجمل ما ابتكره على الإنسان. سأله هذا الأخير: 'لكّن مامغزى كلّ هذا؟ ' فكان ردّه:' وهل يجب أن يكون هناك مغزى؟ ' فأجاب الإنسان:'أجل بالتأكيد.' بعدها عقّب الإله:' جميل، ليكن لك إذن أن تبحث عن المغزى.'
لاأدري إن كان هناك مغزى لكّني أعلم أننا نقضي أيّامنا باحثين عن إيجاد مغزى وإعطاء مغزى، الجميع ينشغل بهذا باستمرار حتّى ولو بدون وعي. ليس مفهوما بالنسبة لنا أن لايكون هناك مغزى ولدينا حاجة عميقة لاكتشافه. لقد بحث الإنسان عن المغزى في الأديان والفن والعلم. لكّن الأمر يتعلّق بتلك الحاجة العميقة. نبحث عن شيء يرفعنا عن اليوميّ لأنّنا لانريد الوجود فقط لاستهلاك أيّامنا.
ــ الصحافي: 'من أين تأتي تلك الحاجة؟ '
ـ بول فان دير فيلده: ' الأمر يتعلّق بعدم الفهم المطلق للوجود. بينما نتحدث هنا بمتعة في الحديقة، يطفو ناس بخوف مهول على قوارب في البحر الأبيض المتوسط. أليس هذا معجزا عن الاستيعاب؟ كيف تحدث أمور متباينة لهذا الحدّ في الوقت ذاته, كيف يكون العالم موزعا بهذه الدرجة من عدم التساوي, كيف يحدث الخير والشر في نفس الوقت. كلّ هذا يتنمي للامفهوم المطلق.
هناك من يجيب عن هذا بالإله الذي سيأخذ العادلين إلى جانبه ويرسل الآخرين للجحيم. آخرون مثل الهندوس والبوذيين يقولون أنّ الأفعال في حيوات سابقة تجعل المرء يولد في ظروف سعيدة أو يصاب بأقدار قاسية. مايسمونه بالكارما. أرى في كلا التعليلين طرقا لتبرير اللاّمفهوم المطلق. عن نفسي لاأومن بهذه التوضيحات أو في أفضل الأحوال أحيانا فقط. لكّننا بحاجة لها. يجب أن يوجد شيء يجعل اللامفهوم المطلق مفهوما.'
ـ الصحافي:' بينما الفوضى كائن الوجود أليس كذلك؟ '
ـ بول فان دير فيلده :'ـ ربما نعم الإنسان يبستن في الفوضى. يريد أن يخلق ترتيبا بأنظمة متنوعة ليخضع الفوضى. الدّين أحد تلك الأنظمة. يمكن اعتبار التفكير مهارة موجهة لجعل الفوضى مفهومة.
نحن نعتز بوهم أنّنا دفعنا الفوضى لحوّاف وجودنا لكّني أشكّ في كوننا نجحنا. إنّنا نصير أذكى ولانستطيع أن نجزم أنّنا لن ننجح باجتهاد حثيث بعد زمن في جعل الحياة أزلية لكن العوامل المزعجة ستبقى. مثل كل أشكال النكسات الفوضى تبقى وتجدّد نفسها.
الصحافي: ' هل ينفع أن نحضن الفوضى ؟ '
ـ بول فان دير فيلده :'لايقدر دماغنا على ذلك للأسف. عقلنا موجّه دومًا نحو النماذج المعروفة في محيطنا. إذا حضنا الفوضى سنستقبل انطباعات كثيرة في الوقت نفسه. لأنّ ذلك فقط لايتطلب احتواء الكلّ بل احتواء كل تفصيل، كل ورقة و كل حصاة. حواسنا تقوم باستمرار بخيارات قويّة. لانستطيع الاحتفاظ بصورة اللاّجئ في البحر دائما، هذا أكبر من قدرة الإنسان على التحمل.
ــ الصحافي:' هل ينفع اللامفهوم المطلق لهدفٍ ما؟ '
ـ بول فان دير فيلده :'إنّه يحفز كثيرًا، هناك كلّ مرّة مايشغلنا بشدّة أو يدعونا للانشغال ويقود لرؤية متجدّدة. وهذا جميل. لكّن مع كل خطوة نتقدّمها في هذا المجال هناك سؤال جديد يظهر. الهندوس يسمون هذا:' قدرة الرّبّانيّة على التّخفي .' نوع من العمل السيزيفي. لانستطيع القول قطّ ' لقد وجدتها' وأن نجلس مرتاحين في الحديقة الخلفيّة. كلّ شيء أكثر تعقيدًا دومًا. شخصيًّا أجد ذلك ممتعا.
الصحافي:' هذا الأمر قد يسبب إحباطا للإنسان.'
ـ بول فان دير فيلده :'لا، بل يجعلنا منتبهين تجاه العالم. حتّى لو امتلكتَ عناصر مألوفة في اليوميّ المحيط بك، مثل شريكك، عملك، بيتك، فإنّ الواقع يعرض نفسه كلّ مرّة بشكل آخر. ذلك يحفظ فضولك. عندما سمع المطرب الهولندي رمسيس شافي بأنّه سيموت علّق:' أمرٌ مثيرٌ للاهتمام، شيءٌ كهذا لم يسبق لي تجريبه.' موقفه يعجبني.
الصحافي: ' مالذي علينا أن نفعله مع اللاّمفهوم كمعطى؟ '
ـ بول فان دير فيلده :' أن نقضي حياتنا متحضّرين تبدو لي غاية جميلة. وذلك ممكن بأن يطرح المرء على نفسه باستمرار السؤال الآتي:' مالذي يمكن للحكمة واللّياقة والرّشد أن يمنحوني إيّاه الآن؟ أذا كان عليك أن تخضع للمساءلة عن حياتك سيمكنك القول:' لقد أديتها في نظري برشد ولياقة.' فكرة الخضوع للمساءلة موجودة في جميع الأديان وليس فقط في المسيحية. في البوذية تقف أيضا أمام إله يسأل:'وكيف تصرّفنا؟ '، في النموذج التيبيتيّ تحمل حصى بيضاء أو سوداء، إذا كانت الغلبة للسوداء تذهب للجحيم. مالأصحّ في هذا؟ لاأعرف، كلّ شيء ممكن ربّما. إنّني لست متعلّقا بدين معيّن لكّني في الوقت نفسه لست ملحدًا بالدّرجة الأولى، إنّي أشكّ في عدم وجود الإله. '