شاعر على صهوة حصان شاميّ ( الشاعر الفرنسي جيرار دو نيرفال(1808ـ 1855) على مشارف بيروت) ترجمتي من كتابه ' رحلة إلى الشرق '

 


عندما استيقظت وجدت الشّاب موسى جالسا أمام بابي، على عتبة الفناء. الحصان الذي أوصله كان متوقفا أسفل الدرج، برجل مطوية تحت البطن بواسطة حبل وتلك طريقة العرب في ربط الخيل. لم يكن عليّ إلاّ أن أنحصر في واحد من تلك السّروج العالية، وفق الموضة التركية، والتي تضغط المرء كملزمة وتجعل السقوط مستحيلا. الركاب عريضة من النحاس على شكل مجرفة المدفأة مربوطة على ارتفاع كبير بالنسبة للمرء وهو جالس بساقين مثنيتين؛ الزوايا الحادة تستخدم لوخز الحصان. لقد ابتسم الأمير قليلا لورطتي وأنا أحاول اتخاذ هيئة فارس عربي وأعطاني بعض النصائح. كان رجلاً شابًّا بطلعة منفتحة وصريحة؛ أُعجبت باستقباله منذ البداية. كان اسمه 'أبو ميران ' وينتمي لفرع من عائلة 'حبيش ' الأبرز في كسروان. حتى ولو لم يكن الأغنى كانت لديه سلطة على عشرات البلدات التي تشكل مقاطعة، وكان يعيد رسومها لباشا طرابلس.

عندما صار الجميع جاهزا نزلنا إلى الطريق التي تحاذي الضفة، والتي في مكان آخر غير الشرق ستعتبر مجرد ممرٍّ ضيق بسيط. بعد حوالي فرسخ أشاروا لي على الكهف الذي خرج منه التنين الذي كان مستعدا لافتراس ابنة ملك بيروت عندما ثقبه القديس جورج بحربته. هذا المكان مبجل كثيرا عند اليونانيين والأتراك أنفسهم الذين بنوا مسجدا صغيرا في المكان الذي جرى فيه القتال.

كلّ الأحصنة السورية مدربة على المشي على طريقة المسار، مايجعل خببها ناعما جدا. أُعجبت بأمن خطاها على الغرانيت الحاد و الصخور الملساء التي كنّا نصادفها كل مرّة...

في وضح النهار كنا تجاوزنا رعن بيروت الخصب الذي يتقدّم على البحر بحوالي فرسخين، بأعاليه المتوجة بصنوبره المظلل ودرج فناءاته المزروعة حدائق. الوادي الهائل الذي يفرق سلسلتين جبليتين يبسط على مدّ البصر مدرّجه المزدوج ذي اللّون البنفسجيّ و المبقع هنا وهناك بنقط طبشورية تشير لعدد كبير من البلدات و الأديرة والقلاع. إنّه واحد من أكثر البانورامات العالمية امتدادًا، واحد من تلك الأماكن التي تجعل الروح تتسع كأنها تريد الوصول لاستيعاب مشهد كهذا بدقة. في عمق الوادي يجري نهر بيروت، نهرٌ في الصيف وسيلٌ في الشتاء، سيرتمي في الخليج، وقد عبرناه تحت ظلال أقواس جسرٍ رومانيّ.

الماء كان يصل لحدود منتصف سيقان الأحصنة: ربى مكسوة بشجيرات غار ورديّة كانت تقسم التيار وتغطي بظلالها قاع مجرى النهر، منطقتا رمل كانتا تشيران لخط الفيضانات القصوي، تنفصل وتخرج على جانب الوادي كلّه ذلك الشريط من الخضرة والأزهار.

فيما بعد تبدأ أولى ارتفاعات الجبال؛ حجار رملية مخضرة بالأشنة والطحلبيات، خروب معوج وأشجار بلوط متداعية النمو بأوراق ذات لون أخضر داكن، نباتات صبار وتين شوكي كامنة في الأحجار مثل جيش أقزام يهدد الإنسان عند مروره ويمنح اللجوء لسحالي ضخمة خضراء تفرُّ بالمئات تحت حوافر الخيل: هذا مانقابله ونحن نصعد الأعالي.

بالإضافة إلى ذلك كانت هناك مساحات كبيرة من الرمل الجاف تمزق هنا وهناك ذلك المعطف من الخضرة البريّة. أبعد بقليل تصير تلك الأراضي البورية مستعدّة للزراعة وتظهر خطوط من أشجار الزّيتون.

وصلنا لقمّة سلسلة المنطقة العليا الأولى؛ والتي تبدو من الأسفل كأنها الكتل الجبلية لجبل صنين. أبعد انفتح وادٍ شكّل طية موازية لنهر بيروت، كان علينا عبورها للوصول للقمة الأخرى التي سنكتشف منها واحدة جديدة أخرى.

هناك ننتبه لأن البلدات الصغيرة، التي كانت تبدو عن بعد محتمية في منحدرات سوداء لنفس الجبل، تسيطر وعلى العكس تتوّج سلاسل مرتفعات تفرقّها الوديان والهاويات ونفهم أن تلك الخطوط المزينة بالقلاع والأبراج، كانت تشكل لكلّ جيش حصونا عصيّة إذا أراد السكان القتال متحدين من أجل نفس مبادئ الاستقلال كما في الماضي. للأسف شعوب كثيرة جدًّا لها مصلحة في تفرقتهم.