لبنان 1982 و الحضور الإيراني القويّ والوسيط الإيرانيّ/ السوريّ ( ترجمتي من كتاب موجة سوداء لكيم غطاس)

عندما سمع الشيخ صبحي الطفيلي بأخبار رتل الدبابات الإسرائيلية التي دخلت لبنان في ذلك الصباح من يونيو، لم يحس لا بالخوف و لا بالكارثة بل فقط بالاهتياج. لقد كان في مطار دمشق ينتظر رحلة إلى طهران لحضور مؤتمر نظمه الحرس الثوري وقسمه الخاص بالحركات التحررية. لقد فكّر الطفيلي في الإمكانيات التي يمكن أن يتيحها ذلك الغزو. كان رجلاً في الثلاثينات مكتنزا وقويا بوجه صارم، شفاهٍ ممتلئة وعمامة بيضاء. كان الطفيلي من قرية بريتال في بعلبك، ناحية تكثر فيها زراعة القنب الهندي ومعروف عنها الخروج عن القانون والصراعات الإثنية. كان قد درس عشر سنوات في النجف عند محمد باقر الصدر، مؤسس حزب الدعوة الشيعية، رجل الدين العراقي الذي ساند ولاية الخميني وأعدم عام 1980. تزامن وجود الطفيلي في النجف مع وجود الخميني أيضا هناك مع رجال دين شيعة آخرين قادمين من منطقة البقاع، السيد عباس الموسوي والشيخ محمد يزبك. أحد الطلبة الآخرين كان حسن نصر الله في الثامنة عشر من عمره؛ سيصير معروفا فيما بعد كقائد ميليشيا...
بعد عودتهم إلى لبنان وفي فترة اندلاع الثورة الإيرانية تحدث كبار رجال الدين مع الإيرانيين في مسألة تنظيم مقاومة إسلامية ضد إسرائيل. كانت هناك محاولات عديدة لم يترتب عنها أيّ شيء ملموس. ضربت الحرب مع العراق احتياطيات إيران ولم يكن هناك إلاّ القليل من أجل مغامرات أخرى. كان هناك أيضا غضب قائم وصراع بين الوطنيين الإيرانيين العصريين الذين يريدون التركيز على إيران والخمينيين الراديكاليين الذين كانوا يؤمنون بثورة خارج الحدود. لكن عام 1982 فاز الراديكاليون؛ أمثال مهدي بازركان ويزدي و تشمران كانوا إما قضوا نحبهم أو لم تعد بيدهم أي سلطة. في ذلك العام أحست إيران أيضا أنها أقوى من العراق. رأى الطفيلي أن الوقت قد حان وقد منح الإسرائيليون بغزوهم آخر دَفْعَةٍ. في المؤتمر طلب هو ومن يشاطرونه الرأي مساعدة رجال الدين.
ستة أيام بعدها وصل الجنود الإيرانيون إلى مطار دمشق، بأمل الالتحاق بالجبهة اللّبنانية، رحبّ بهم السفير الإيراني في دمشق علي أكبر محتشمي (موهتشاميبور)؛ أحد الأتباع الأوفياء للخميني, درس عند آيات الله في النجف وكان ممن رافقوه إلى نوفل لو شاطو في فرنسا. في المجموع كانوا خمسة آلاف إيراني قدموا إلى سوريا.الجنود لم يكونوا للمشاركة في معارك ضد إسرائيل في بيروت أو جنوب لبنان؛ أغلبهم عاد أو ذهب للجبهة العراقية. لكن ألفا وخمسمائة (1500) عنصرا من الحرس الثوريّ من قسم الحركات التحررية بقوا وأنشؤوا قاعدة عمليات في سوريا على الحدود مع لبنان. من هناك نزحوا لوادي البقاع وأجرّوا منازل في بعلبك وضواحيها.لاحقا استلموا ثكنات للجيش اللبناني وجعلوا مركز قيادتهم العسكرية في فندق فخم. أحد هؤلاء الحرس كان محمود أحمدي نجاد، الرئيس اللاّحق لإيران.
الحرس الثوريون كانوا يلبسون زيا عسكريا لكنهم لم يقاتلوا: لقد كانوا المرسلين لإيصال ثورة الخميني الإسلامية إلى البحر الأبيض المتوسط.