القُبلة الأخيرة

لن أَنْسَ أبداً القُبلة الأخيرة التي وضعتها على خدِّ والدي. كان الخدُّ بارداً، كالجبين، كجسد الإنسان المنطفئ.
بدا أبي بعيونه المغمضة ووجه الهادئ نائما بدون أنفاس وكأنَّهُ وفر جهدها لرحلته نحو الأبدية.
عرف الغالي كيف يبقى مُطَمْئِناً حتى وهو في كفن ، وكل المنكشف منه وجهه بُناءً على رغبتنا نحن أصحاب القُبَلِ الأخيرة.
مُستريحا، سَمْحَ المحيا استلقى ككل الرجال الذين يعيشون أبطالا فيأتيهم الموت فلا يجزعون.
كان أبي إلى أقصى الحدود وجِذْرِي العتيد الذي منه طلعت كي أصير نصيرته وعليه انفصلت وبقيتُ نصيرته.
بالقرب من الجسد البارد المكسو بالبياض بكيت أحر أدمعي دون أن أنجح في إقناع الحياة بهزيمة الموت أو أبعث الدفء في خلايا النائم المستريح.
رأيت وجهه يُغَطَّى من جديد ليدخل فترافقه صلاة العصر ثم يخرج في موكب.
وددت لو أطلق صرختي لتهز المدينة وتشرخ السماء:'' أبـــــي،
أبي، لا تذهب ياأبي، لم تكن قُبلتي تلك الأخيرة.
لازالت عندي أُخريات لك.
لازالت عندي أحلام وأُمنيات أتقاسمها معك.
هناك سعادةٌ كبيرةٌ أريد أن أُهديك إياها كل سعادتي لو تشاء، لو تُرضيك، لو تَقْبَل.
أنا كريمـــة جدّاً ياأبي وكل كرمي منك تعلمته ، يابحر الجود يامُفارِقي ''.
أطل وجه الرَّاحل في خيالي. تراءى لي باسماً، مُطَمئناً مجددّاً، تذكرت وعود الله فخجِلتْ نداءاتي وعودي.
بسم الله الرحمان الرحيم: إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ .
صدق الله العظيم، فرحمـة الله عليك وإلى جنات النعيم رفقة الأبرار ياأبتي.
Nassira 26-03-2013