قوّة الخطاب وألق الموهبة في ' وحوش بلا وطن '

إفريقيا الأمومة و الطبيعة والإنسان تُوجِعُ عميقًا في فيلم "وحوش بلا وطن"   المقتبس عن رواية الكاتب إزودينما إيوايلا ذي الأصول النيجيرية التي تحمل نفس العنوان. يدخلها المُشاهد بسعادة مع بدايات العمل السينمائي ليجد نفسه سريعا في إحدى قضاياها الأكثر إيلامًا. تنتشل فوضى الحرب الأهلية الطفل أغو من طمأنينة الحياة الأسرية لتقذفه إلى كتيبة المتمردين فيصير ,مُرغما, مجندا يعايش العنف والقلق ويضطر لممارسة القتل بلا رحمة ولا تردد


إمتحانات مؤثّرة عديدة يجتازها ليفقد رهفه الطفوليّ ويثبت ولاءه للقائد ؛الذي يتقن دوره النجم إدريس إلبا؛ إنّه يتدرب ويهتف ويتجاوب مع الأوامر، يتحمّل كما يتحمّل رفاقه الصغار، ينام في الغابات ويصحو فيها وحين يضطر للتنقل إلى أماكن أكثر تمدنا فللقتال والقتل. الطفل الغانيّ أبراهام أطاه في دورأغو يثبت أنه جدير بالدور الصعب كما يشهد على ذلك حصوله على جائزة مارتشيلو ماستروياني في مهرجان البندقية لهذا العام. بذوبانه في الشخصية التي تقمصها يقنع المُشَاهد بالمراحل القاسية التي تصنع الجنديّ الصغير الذي لايفهم مالذي يحصل ولماذا لكنه مدفوعا بغريزة البقاء يُحاول أن يُطيع لينجو.
على مدار مايزيد عن الساعتين لا يوفر المخرج والمصور السينمائي الأمريكي  كاري جوجي فوكوناغا الدّقة والتركيز وقوّة المَشَاهد. تُساعده في ذلك غانا التي صوّر فيها الفيلم بطبيعتها الساحرة واستخدامه لمظاهر من الثقافة الإفريقية التي تجعل من الرقص الغناء مظاهر مصاحبة للمعتقدات والانفعالات العاطفية مفرحة كانت أو محزنة.
تقلبات الأوقات وحالات الجو، النباتات والكائنات تتحد لصنع الكثير من لقطات الفيلم الطويل ومعها الموسيقى التصويرية التي سهر عليها البارع دان رومر.
طفل مدهش آخر باسم مُرَكَّبٍ في الواقع ' إيمانويل نيي أدوم كاي ' واسم بسيط في الفيلم ' سترايكا ' يقربنا أكثر مما يتبقى من الطفولة المعتدى عليها. لايتحدث، يومئ فقط لكنه ينجح وآغو في أن يكونا صديقين لا يغوصان في ماضٍ مشترك لكنهما يترافقان ويساعدان بعضهما ويحافظان على ماتبقى من إنسانيتهما معًا.
تعابير وجه سترايكا، وقفته ونظراته تتآلف لتُشْعِرَ بألم قادرٍ على التّسبب في انسداد اللغة. موته على ظهر صديقه نهايةأخرى لاتقلّ مأساوية عن الطريقة التي تمت بها مواراة جثته.
" وحوش بلا وطن" يُظْهِرُ بشكل أقل تواطؤ السياسيين الناشدين للنفوذ والسلطة مع قادة الموت والحرب; كما توحي مقابلة الرجل الأسيوي المتحضر للزعيم السياسي باقتراب العالم من مصالحه غير مُبَالٍ بنظافة الأيادي التي يصافح.
 درجات العنف في العمل  لاشكّ عالية ويمكن على أساسها إضافته إلى لائحة أفلام 2015 التي حملت مقاطع دامية كثيرة وتطلبت من مشاهديها مناعة أكبر وحساسية أقلّ تجاه أصناف العنف الكثيرة. لكن طبيعته مختلفة عما شاهدناه في 'كريمسون بيك ' مثلاً أو مع سيمون كوتون في 'صعود الأخوين كراي' إنّه ليس رعبا شهيًّا أو مَرَضِيًّا  بل مُبَرَّرًا  بواقعية الحرب البشعة التي لاتعترف بحدود الأعمار ولا قيمتها، يحيلنا كما أحالتنا صور الحرب من قبله إلى التساؤل عن جدوى نشر واقع الحروب في المشاهد والصور وأنانية الإنسان حين يرفضها ولا يرفضها لأنه لا يسعى لتغيير الواقع...


من جماليات الفيلم الأخيرة انتقاله في خاتمته إلى طبيعة أكثر انفتاحا تنسجم مع الأمل الذي يقبض عليه البطل الصغير صحبة رفاقه ومع راشدين مستعدين للبناء والترميم .ومن المؤكد أنّه كإنجازٍ سينمائي جدير بالنجاح وأن أطفال إفريقيا ككلّ أطفال العالم يستحقون أن يكونوا سعداء وآمنين بعيدا عن قذارة الحرب.


Nassira 31-10-2015