الأمل الفلسطيني العجيب في أزرق سوزان أبو الهوى-نصيرة تختوخ

غزة قفص يجاور البحر تتذكره الإنسانية عندما تزوره نيران وآلات الحرب وكثيرا ما يُنسى، سوزان أبو الهوى تدخله روائية، تتحرك مع الزمن وتسبح مع الجن لتشهد على الإنسان الذي يولد ليحيا فيجد الباب بينه وبين العالم الآخر مفتوحا بينما تنغلق أبواب أخرى كثيرة أمامه.
توظف الكاتبة مظاهر الثقافة السائدة في غزة، تأخذ من التاريخ و تستشهد بأحداث واقعية أليمة وتنجح كروائية في إيجاد الوصفة التي توازن بين الواقع و الخيال فلا توقع الرواية في التقريرية كما تنأى بها عن ورطة الموقف الذي قد يجعل القارئ يلمس تحاملا ما قد لا يرغب فيه.
تبدأ الحكاية من قرية بيت دراس التي كانت تقع في القرن الثالث عشر في الطريق بين القاهرة ودمشق ، تمر بها القوافل التجارية الذاهبة لشمال إفريقيا وآسيا وجنوب شرق أوروبا .هناك حيث النهر الرقراق، الذي تجلس قربه مريم وصديقها خالد، يعرف الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط تكبر الأخت الكبرى نظمية وأخوها ممدوح مع غرابات والدتهم، تبدو الحياة متصلة بماضيها المتوسطي إلى أن يقطع الهاجانا هدوء الليل ويلطخوه بالدم. نظمية الراكضة ضد التيار لنجدة أختها مريم لاتصرخ بعد أن تُغتصب عدة مرات فيهتدي الجنود الصهاينة للطريق إلى دموعها وصرختها التي تشفي الغليل بقتل أختها الحبيبة أمامها.
الحياة في غزّة تستمر بساق ممدوح الناقصة ودأبه، بحبّ عطية لنظمية وأبنائهم المتكاثرين، بحركة أمواج البحر الأبيض المتوسط التي تلعق جراح الباقين بعد كل اعتداء وإن كانت لا تشفيها.
سليمان حتى وإن كان صديقا مُقْنِعًا من عالم الجن فإن مساعداته لم تنقذ أم ممدوح، وإن كان وجوده سيستمر فلن ينتزع أشواك القسوة الكثيرة التي تنغرز في لحم يوميات الباقين من عوائل بيت دراس.
الروائية سوزان أبو الهوى لاتوفر ذكر " الله" في صفحات " الأزرق بين السماء والماء" ككلمة تتردد على الألسن الكثيرة في غزّة؛ من تردادها لا تظهر حاجة الإنسان الملّحة هناك للتعلق بقوّة مخلصة أكبر من قوة الدولة الصهيونية بل حالاته الكثيرة التي يدرك فيها ضعفه وحتى التهديدات المحدقة به.
الإحتلال والحصار حدثان طويلا الأمد يتضحان من خلال الرواية في الشخصيات التي تولد وتكبر وتنال نصيبها من الآلام. ممدوح الذي غادر بعد الكويت إلى الولايات المتحدة الأمريكية ينجب إبنا وحيدا يواجه مشاكل مع هويته ويحاول سقي حفيدته نور بوعائه العاطفي والهوياتي لولا أن الموت يقطع عليه مشروعه ليترك الصغيرة تتقاذفها الملاجئ وتلّم الانكسارات.
الفلسطينية التي تقدمها الكاتبة من خلال نور هي النموذج الحديث الآخر الذي يقابل النموذج اليهودي الذي حضر كثيرا في الكتابات العالمية وأشار للحرمان والأذى النفسي كتابعين لتعامل النازية مع اليهود. إنّه يذكرنا وجيّدًا بالإلحاح الطبيعي للإنتماء وجرم الاحتلال في محاولاته  لضغط الانتماء الفلسطيني ومحاصرته وحتى عرقلته للوصل الفلسطيني بعد الهجرةمساندة نزينغا الجنوب إفريقية لنور له دلالاته أيضا التي من ضمن ماتعيده إلى الذهن ظلم نظام الأبرتهايد ووحشيته وفشله رغم كل شيء في الإجهاز على الحلم الإفريقي.
تقتبس الكاتبة كلمات للطبيب النرويجي مادس جيلبيرت, للشاعر محمود درويش وتستحضر مرور راشيل كوري في قطاع غزة، تجعل عبد القادر زوج ألوان بنت نظمية يسمي ابنته " ريتشيل " على اسمها، وتبث الوجه الحزين للواقع الذي لا يخلو من أناس لمسوا معاناة غزّة عن قرب وحاولوا أن يفعلوا شيئا ما فلم يتنكر لهم الغزاويين المحبون للآخر، المقبلون عليه كما يظهرون في الرواية.
قصة حب نور العابرة التي تتغذى بها بعض الصفحات، تمرّ كشاهد يرافق إشارات أخرى لقدرة المرأة في غزّة على التفهم والتسامح مع خطايا العاطفة وعلى التماسك العائلي الذي تقوده المرأة الغزاوية كجنرال حكيم وشجاع، محمّل بالتجارب، معجون بالإرادة والقدرة على التواصل والمواصلة معا.
تفاصيل المظهر أو بعض السلوكيات التي تؤاخذ عليها النساء أو الرجال في غزّة تافهة مقارنة ببطولتهم في الاستمرار وتطييب جراح بعضهم، هكذا يبدو من الرواية التي يرافقنا فيها الأمل الفلسطيني العجيب فيلتقي فيه الموتى بالأحياء،ينفتح فيه الأزرق بين السماء والبحر وتدخله الألوان لأن الفلسطيني في فلسطين في مكانه وإن أخذ الموت جسده بعيدا عنه فإنّه إلى أزرقها يعود ليشاهد أحبّته وينعم بتناغمهم هو الراسخ في عاطفتهم وذكرياتهم.
الكاتبة الفلسطينية سوزان أبو الهوى المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي سبق لها أن نشرت مقالاتها في العديد من الصحف الأمريكية وروايتها "صباحات في جنين " أكدّت بأزرقها أن اغتيال القضية الفلسطينية أدبيا كان وَهْمًا إسرائيليا كبيرا وأن الفلسطينيين عائدون بلغات أخرى وبجمال روائي يغري قراء العالم.

Nassira 21-10-2015