بورتريهات العصر الذهبي شهادات فنية أطول عمرا من السيلفي ــ نصيرة تختوخ

من المعروف أن عددا من الفنانين رسموا بورتريهاتهم بأنفسهم. لماذا فعلوا؟ سؤال يتبادر إلى الذهن ومعه تأويلات قد تقترب أو تبتعد عن الحقيقة. في متحف ماوريتس هاوس بلاهاي يجد الزائر بعض الإجابات من خلال المعرض الذي يقدم مجموعة مهمة من البورتريهات لرسامي هولندا المنتمين للقرن السابع عشر والذي يُصطلح على تسميته بالقرن الذهبي في هولندا ,نظرا للازدهار والغنى والتقدم الذي عرفه البلد آنذاك.
أوّل ما يتم الوقوف عليه هو صعوبة إنجاز البورتريه الذاتي في تلك الفترة نظرا لضرورة الاستعانة بالمرآة أثناء الاشتغال الذي يتطلب أيضا حمل الريشة و لوحة الألوان. الفنانون اجتهدوا في أن يظهروا بأشكال لاتوحي باستعانتهم بالمرايا وحاولوا تقديم أنفسهم بالصورة التي تناسب رؤاهم من جهة ومستواهم الفني من جهة أخرى. عندما نشاهد بورتريه رمبرانت الذي رسمه في عامه الأخير فإنّنا نرى المعلم وآثار السنين على شكله لكنه يقنعنا بنظرته غير الآبهة بالزمن و بظروفه القاسية في اللوحة ، قبعته التي توحي بطابع شرقي والملابس التي لايبالغ في تجميلها ,والتي تبدو وكأنها تناسب قرنا مضى, تخرجانه من سطوة وقته إلى خياره ولمسته ونظرته الفنية الخاصة. 
قد أنجز رمبرانت بورتريهات أخرى لنفسه على مدى عمر حافل بالعطاء والألق وكانت بعض أهدافه منها الدراسة والتجريب.




تلميذه كارل فابريسيوس له أيضا بورتريه شخصي مثير للتأمل فعكس الكثير من الفنانين الذين أظهروا أنفسهم في غاية الأناقة، أبرز فابريسيوس زغب صدره الذي لم يستره الجزء العلوي من قميصه المفتوح وغير المرتب؛ لقد سبق الفنان بذلك زمنه وتمرد على السائد مع أنّه كان تلميذ المعلم الذي أخذ منه الكثير من المهارة والإتقان. فابريسيوس الذي رسم الحسون برقة مقيدا بسلسلة تجعل تحليقه محدودا رسم نفسه كما شاء أن يكون متقبّلا إيّاه ومتجاوزا العرف السائد إلى رؤيتهالبورتريهات كانت للدراسة والتجريب وبعض التمرد لكنها وكما يظهر من لوحات ورسومات أخرى حملتها الكتب وانتقلت حتى بين البلدان الأوروبية كانت وسيلة دعاية جيدة لرساميها فمادام الفنان قادرا على إنجازها لنفسه بإتقان فإنه قادر على فعل ذلك لغيره الذي سيدفع المقابل.
لوحة يان مينسه مولنار العائلية، حيث يرسم نفسه وسط أفراد عائلته ومنهم من يمسك آلة موسيقية يعزف عليها ,كإشارة من الفنان للتناغم والانسجام العائلي، تشهد برغبة أخرى للفنان في تكريم نفسه وحفظ صورته وذويه للذكرى. فالفنان في اللوحة لايغفل حتى عن والديه الغائبين فيرسمهما في لوحات داخل اللوحة نفسها.

أخذ  الكثير من رسامي البورتريه الهولنديين في تلك الفترة تقليد القبعة من المُجِيد المتمكن رمبرانت وتفنن كل واحد منهم في أزيائه ليصلوا لدرجات مدهشة في رسم الأثواب وطبيعتها وتفاصيلها مما جعل الإقبال على فنّهم أكثر و لوحاتهم مرغوبا فيها تنضم لمجموعات فريدة كتلك الخاصة بكوزيمو الثالث دي ميديشي دوق فلورانسا.

عنوان معرض ماوريتس هاوس  ربط بين بورتريهات فناني العصر الذهبي الهولنديين والصور الشخصية المسماة بالسيلفي وهناك شبه قليل واختلاف كبير من العناء الذي تكلفه الصورة إلى البقاء الذي يكتب لها وشهادتها على صاحبها. فنظرة  الستينيّ باولوس موريلسه أو حتى هاوخ بيترس فوسكاول الأكثر شبابا منه العميقتين تلتهمان

الوقت للوصول إلى إنسانية الفنان ورغبته في الإجادة ويشهد وجهاهما كالوجوه الأخرى في اللوحات  على لمسة الفن المعكوسة وعرفانه تجاه من مارسوه بحبّ وجِدٍّ ناشدين الإتقان فحفظ أسماءهم والصور.

Nassira 24-10-2015