السقوط في الرداءة بحجج واهية-نصيرة تختوخ










إنّ المُطّلع على الكثير من جديد السينما العربية، مغاربية كانت أو مشرقية، سيندهش من كمّ الأعمال الغارقة في الفوضى والتخبط والتي لا يسعفها اتخاذ '' الواقعية '' أو '' تسليط الضوء على مشاكل المجتمع '' أو حتى ''إضفاء أجواء المرح '' عذرا.
حشو السيناريوهات بالكلمات البذيئة أو المشاهد بأجواء الانحراف وإقحام العربدة كنوع من اليوميّ في حياة الإنسان أمورٌ تتكرر ويبقى الرّهان الفنيّ المتعلق بذلك الاستخدام المفرط لها مُبهما.
من المؤكد أن واقع المجتمعات العربية لايخلو من التناقضات والممارسات المتضاربة مع القيم وأنّ انتماءها للعالم الثالث بشكل عامّ تصحبه مظاهر تجعلها بعيدة عن المثالية لكّن الأكيد أنّ وظيفة الفن لم تكن أبدًا تشويه المشوّه أو اصطياد القُبح ووجوه الانهيار الإنسانيّ وزيادة بعض ملامح السقوط عليها لخلق فرجة ومتعة الغوغاء. أن يكون المُتَوَقَّعُ خلقَ نشوة المتلقي برؤية الطابوهات معروضة وإمتاعه بصراعات ولغة المسحوقين من أجل البقاء أو مايرومونه من الحياة مؤشرّ يدلّ على سقف طموح منخفض ومستوى عام يرجو الارتقاء به لا تغذيته بما يبقيه على وضعه البائس أو يزيده تفاقما.
نعلم جميعا أنّ إنتاج الشريط الوثائقيّ يتيح تناول أي ظواهر سلبية منتشرة على نطاق واسع، مدعومة بالوثائق والشهادات الحيّة و الأرقام و شهادات المختصين من أجل تسليط الضوء عليها وإيجاد حلول لها.
السينما مطالبة بتناول وتناسق من نوع آخر تنصهر فيه مواهب وفنون تبغي تكاملا وانسجاما فيما بينها ممَّايجعل المنتج النهائي ذو قوّة جمالية لايغيب فيها الإحساس بالتفكير والاشتغال بأصابع الفن.
إقحام الرقص والهرج والمرج الشعبي والعري المبتذل و الجنس كعناصر مقدورٍ عليها للجذب وشدّ الانتباه في عمل سينمائي يفتقد لمقومّات حقيقية ضرب من الاستهتار الذي لايخلق الفيلم الناجح بل يسهم بامتياز في التراكم المنفر من أفلام متشابهة يُكتب لها النسيان والتهميش. وإن حققت إيرادات مردّها إقبال بدافع الفضول أو الترويج الذي إن نجح في تسويقها لا ينجح في الرفع من قيمتها الفنية.
من العار بعد اهتزاز الأراضي العربية بالثورات واتساع دوائر الألم والمعاناة وتزعزع الثقة في الغد أن يكون الفن من المساهمين في تفتيت الفخر بالانتماء وتقديم كولاجات المسخ كنماذج للحقيقة الراهنة.
لسنا بحاجة للتذكير أن أفلاما كثيرة لاقت نجاحا عالميا ولم تقدم إلاّ الإنسان عميقا ،مناضلاً في ظرفه الصعب، متشبثًّا جميلاً بالحياة أو مُخْطِئًا قاسيا يتيح الفن الاقتراب من رهفه..ولم تكن محشوة بزوائد تُدخلها في شبهة الابتذال لخلق الفرجة لأن قصصها وسيناريوهاتها وأداء المشتغلين عليها كفلوا لها الظفر بالإعجاب و النجاح.
وقد يكفي مثالاً التذكير بفيلم طوم هانكس ناجيا على الجزيرة في دور شوك نولاند مع كرته الطائرة '' السيد ويلسون '' للتهكم من عشرات الأفلام التي يستحق القائمون عليها الرّشق بعلب المصبرات لأنهم جعلوا من الفن السابع فرصتهم للمساهمة في تفاقم الرداءة وهزّ ثقة الإنسان في القيم السليمة وفي إمكانياته ومحيطه.
Nassira 23-5-2015