نساء آذتهن الحرب: شامخات بإرادة الاستمرار كجبل فوجي- نصيرة تختوخ

[​IMG]
قد لا يبدو من العدل تهميش 300 عام من التواجد الهولندي في أندونيسيا، بما فيها من استغلال، والتركيز على ثلاث سنوات من الاحتلال الياباني للبلد لكنها قذارة الحرب لا تنزه أحدًا وآلام الإنسان تتجاوز المقارنات.
من 1942إلى 1945 أحكمت الآلة العسكرية اليابانية قبضتها على الهند الشرقية الهولندية، إندونيسيا حاليا، وكانت الحرب العالمية الثانية مستعرة. الأرخبيل القويّ الطموح بحساباته والمهدّد بأعدائه نشر جنوده على البلد المثير للمطامع لغناه بالمواد الأولية وحدث الكثير مما حفظته صفحات التاريخ العالمي كخطوط عريضة والذي قد يحسب قليلا لكنه كثير مثير للجدل.
تبوح الجدّات الإندونيسيات اليوم، الجميلات الطفلات أو الشابات في زمن الحرب بأشياء مثل:''كانوا كثيرين متشابهين بعيون ضيقة'',''كان عليهم أن لايطيلوا البقاء وإلاّ تم تعنيفهم''...
هؤلاء المقصودون هم الجنود اليابانيون خارج الفخر والأوسمة والبطولة. يطلون كضمير الغائب من ذاكرة عجائز إندونيسيا اللواتي عايشن الحرب وحملن ألم ماعايشنه هائلاً وعميقا يقاومنه كي لايفتتهن والحياة تطالبهن بالقوة والاستمرار. جميلات الأمس اقتدن من بيوت أهاليهن الدافئة إلى غرف مرقمة لإراحة الجنود اليابانيين مرغمات.
بعد أن تقدم العمر وماعاد جَلْدُ المجتمع لهن ينفع وبقليل من تشجيع محاورة تسطع عليهم بإنسانيتها كالصحافية والأنثروبولوجية هيلدة يانسن تجرأن على الكلام , لتوثيق بالصوت والصورة في
الوثائقي الهولندي الذي حمل عنوان '' لأننا كنا جميلات '' الصادر عام 2010 وبالصور الفوتوغرافية الصامتة المتحدثة بوجودهن بعدسة المصور الهولندي '' يان بانينغ'' الذي حمل قضيتهن إلى الأروقة العالمية .
يتظاهرن بالضحك وسرعان مايحدث الامتزاج العجيب للضحك والبكاء عندهن فيلمس من يشاهدهن طراوة الألم الذي لم تطيّبه الأيّام. تتحدث بعضهن عن أعمارهن في تلك الفترة ويذكرن أعمارًا تجاوزت العاشرة بسنة أو سنتين، يعترفن بخوفهن الطفوليّ من مجرد هيئة الرجل، يصفن درجات آلام الجسد وسيول دموع صاحبتهن ليالٍ طويلة .العيون تتورم من البكاء تغلق وتختار الانغلاق لكي لاترى مشاهد لاتحبها ،لكن المصيرنفسه كل ليلة في مبانٍ خصصت لإراحة الجنديّ على حساب كرامة فتاة البلد المحتل التي لاحول لها ولا قوة.
[​IMG]
من الجدّات من لاتزال خائفة أن تكون بما فعلت آثمة ومنهن من تتكتم عما عايشته في الغرفة المغلقة عليها مع جنديّ لكنها بإلحاح رقيق ذكيّ من محاورتها تخرج اعترافها الخجول وتكشف جرحها العميق.
عد انسحاب اليابانيين من البلد ونجاة من كتبت لها النجاة . قطعها مسافات طويلة للعودة إلى بيت أهلها كانت ألسنة الناس لبعضهن بالمرصاد .وبعد قطع المسافات الطويلة للوصول إلى بيوت الأهل بدأت المعاناة الأخرى مع ألسنة الناس بالنسبة للبعض والرحلة مع السر لما تبقى من العمر للبعض الآخر. فمن العائدات من نجحت في اختلاق قصص ترفع عنها الشبهة وترحمها من الأذى اللفظي فادعت مثلا مزاولتها لأعمال كالطهي أو الاشتغال في الحقول.
المصور يان بانينغ لم يوقف مشوار حكاياتهن بنهاية الوثائقي الذي حصد عدة جوائز عالمية منها جائزة أطول فيلم وثائقي في مهرجان بيغ مودي(الولايات المتحدة الأمريكية) 2011 و الجائزة الأولى في مهرجان أرتيفيست (هوليوود ) لنفس العام بل لازال يقيم معارض لصورهن في أنحاء العالم. وقد كان حدث استخدام مجلة '' دايز جابان '' اليابانية لصورةٍ التقطها للعجوز الأندونيسية '' واينيم '' كصورة غلاف لعددها في أكتوبر 2014 مثيرا لتفاؤله. فقد رأى المصور أنها بداية محتملة لجدل ياباني يفضي لردّ الاعتبار لنساء استخدمن لإراحة وإمتاع الجنديّ الياباني ولم يكن محترفات لبيع أجسادهن بل ضحايا خطف وعنف وخوف.
ولايمكننا أن نقول أنه أخطأ التوقع ونحن نرى العروض الحالية في المتحف الياباني '' و ا م '' (WAMمتحف النساء الناشطات من أجل الحرب والسّلامWomen’s active museum for- war and peace )في طوكيو التي تتناول قضية الاستعباد الجنسي في الحرب العالمية الثانية عند الجيش الياباني صارخة بالحقائق البعيدة عن تجميل صور الحرب بالبطولة والوطنية.
Nassira –20-3-2015