الانشغال بالإرث الفني في زمن الحرب ـــ نموذج من هولنداـــ نصيرة تختوخ


وصول هتلر إلى سدّة الحكم رافقه تصنيف قاسٍ ومُهَدِّد للفن ولجامعي اللوحات خاصّة من اليهود.
لقد أطلق النظام النازيّ على الفن الذي لا ينسجم مع توجهه صفة '' المُنْحط '' وسعى إلى محاربته بدءًا بتقزيمه في معارض نزلت بأعمال فنية معاصرة آنذاك إلى درك الرداءة والتهكم ومقارنتها بأعمال المعاقين ذهنيا ثم بالسعي المستمر إلى إبادة مالايروقه بحجة عدم ملائمته لألمانيا الآرية المتفوقة وروح شعبها الذي تناسبه البطولة و الالتزام .
أصبح تجار الفن مشبوهين بممتلكاتهم ومتهمين بيهوديتهم إن كانوا يهودا و الفنانون مقيدين بالتوجه الوطنيّ الذي لاتناسبه الحريّة المنتجة لأعمال '' الفن المنحطّ''.
لأن صدى النازية تجاوز سريعًا الحدود الألمانية فإنّ بلدًا جارًا وصغيرا كهولندا استشعر، بحدس القائمين على الفنّ فيه، الخطر القادم . سافر فيليم ساندبرخ الذي كان محافظا في ثلاثينات القرن الماضي في متحف الستايدليك بأمستردام إلى إسبانيا ليقف على طريقة حماية التحف الفنية أثناء الحرب الأهلية وعاد ليفكر في حلّ يناسب الطبيعة الهولندية الخالية من الجبال. في كهوف كوستا برافا المختبئة خلف الصخور كانت تنام كنوز '' البرادو '' آمنة بكامل الرعاية وطرق الحِفظ التي تليق بها، وفي قبو مُنجز تحت الكثبان في بلدة كاستريكوم في الشمال الهولندي سترتاح لوحات من المتحف الأمستردامي ومعها أعمال أخرى كثيرة لكل منها قصته.
لقد طرقت متاحف هولندا الأشهر باب فيليم ساندبرخ ودافيد روئيل ,مدير متحف الستييدليك آنذاك, من أجل حماية مجموعاتها وأتاهم التّجار والمالكون بلوحات رأوها ثمينة ومهدّدة لتخبئتها إلى أن تنتهي الحرب.
بعناية فائقة وفي خزانات حديدية مغلقة بإحكام في القبو تمّ إيداع الأعمال مع توثيق حثيث وتدوين مرافق ابتدأ يوم الثالث من أبريل عام 1940.
أقبية أخرى تم إنجازها لاحقًا في منتهى السّريّة تحت رمال هولندا لتحفظ أعمالا أخرى لمتحف هائل كالرّايكس الأمستردامي لكن لوحةً بحجم وقيمة '' جولة الليل '' لرمبرانت لم تنتظر وكانت في أيّار 1940 ضمن ماحفظه ساندبرخ في قبو كاستريكوم لتنقل لاحقا إلى قبو خاص بمحفوظات متحف الرايكس في منطقة هييمسكيرك.
لم يغلق متحف الستييدليك أبوابه رغم الاحتلال الألمانيّ لهولندا ولم يخضع تماما لرغبات المحتل بإقامة معارض متلاحقة تخدم البروباغندا النازية بل سعى القائمون بالمسارعة إلى التعاون والتعاقد مع فنانين منضوين تحت جمعيات مرتبطة بالمتحف لتسهيل معارضها والتملص قدر الأمكان من التعاون مع العدو، ومن ضمن الأهداف كانت محاولات تجميع المال الكافي للفنانين المحتاجين لذلك لمواصلة إنتاجاهم الفني.
كفنان غرافيكي وكمواطن تورط ساندبرخ في تزوير الهويات وفي تفجير مركز أمستردام لسجل السكان ،لتضيع بذلك فرصة تحديد هويات الساكنة على النازية ويتعذّر تمييز يهود المدينة عن غيرهم، مما جعله مطلوبا واضطره للاختباء في القبو خشية أن يلقى مالقيه أصحابه الذين أُعدموا رميًا بالرصاص . مع التحف في مخبئه أنجز ساندبرخ عملاً تكريميا لرفاقه الذين تم إعدامهم، وبعد استقلال هولندا كان له أن يصبح مديرا لمتحف الستيدليك بأمستردام وللأعمال التي اختبأت أن تعود للظهور.
 تبقى الإشارة لفشل بعض الأعمال في العودة إلى مالكيها الحقيقيين ضروريّة. فمن الأسماء التي كانت تتوعدها النازية ما لم يتمّ تدوينه كما أن بعض التسليم في ظروف الخطر النازيّ كان فوضويا.
التحقيقات التي عرفتها متاحف هولندا في السنوات الأخيرة سمحت بماتأتّى من وضوح بتصنيف مقتنيات المتاحف الأصلية وتواريخها. مازاد عن متحف الستييدليك بأمستردام ولم يتمّ تبين أصحابه لم يتجاوز الستة عشر عملاً.