ترجمتي من الفصل الرابع: إجراءات التطهير العرقي من كتاب التطهير العرقي في فلسطين للبرفسور إيلان بابي

كان عدد المقاتلين اليهود قبيل 1948 50000مقاتلا أغلبهم مدربين في مجموعات قتالية يقابلهم في الجانب الفلسطيني مالايتعدى السبعة آلاف مقاتل 7000يفتقدون للتنظيم و التراتبية العسكرية مقارنة بالجنود الصهاينة إنضم إليهم في فبراير 1948متطوعون عرب آخرون وصل عددهم إلى حوالي الثلاثة آلاف لكن الجيش الصهيوني الجديد كانت تصله أسلحة أيضا ففي ماي 1946مثلا وصله كم كبير من الأسلحة الثقيلة من تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفياتي.
أسابيعا بعد بدأ الحرب وصل عدد المجندين الصهاينة 80000إلى بينما لم يتجاوز عدد المقاومين العرب الخمسين ألفا 50000 إضافة إلى هذا لم تعد تصلهم أسلحة من بريطانيا التي كانت أهم مزودة لهم.
باختصار في المراحل الأولى للتطهير العرقي (حتى ماي 1948) كانت بضع آلاف من المقاتلين الفلسطينيين والعرب غير المدربين وغير المنظمين بشكل كافٍ في مواجهة مايقارب العشرة آلاف مجموعة يهودية مقاتلة مماجعل مهمة هؤلاء بعيدة عن الاستحالة و يسيرة التحقق.
على هامش القوة العسكرية اليهودية الكبرى كان هناك مجموعتان في غاية التطرف:
*الإرجون التي يرمز لها ب إيتزل بالعبرية و السترن غانغ التي يرمز لها ب ليهي.
الإرجون إنشقت من الهاجانا وقيدت من طرف مناحيم بيغين (الذي أصبح سادس رئيس وزراء لإسرائيل وحصل على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات)في الأربعينيات وكان للإرجون سياستها العنيفة ضد البريطانيين في فترة تواجدهم وكذلك ضد السكان المحليين.
أما السترن غانغ فهو فرع انشق من الإرجون عام 1940.
كونت المنظمتان ،الإرجون والسترن غانغ ،بالإضافة إلى الهاجانا في أيام النكبة آلة عسكرية موحدة رغم أن الثلاثة لم يتحركوا دوما بتنسيق موحد.
جزء مهم أيضا في التحضير للحرب الصهيونية كان تدريب وحدات كوموندوهات البلماخ والتي تأسست عام 1941،في البداية كان تدريب البلماخ للمشاركة مع بريطانيا ضد النازية لكن سرعان ماتحولت حركاتها وهجماتها إلى البوادي والمناطق الفلسطينية .
وقبل حلها في خريف 1948قامت البلماخ بكبريات عمليات التطهير العرقي في شمال فلسطين ووسطها.
كان الهجانا و الإرجون و البالماخ من يستولون فعليا على القرى ويقومون بعمليات التطهير العرقي و بعدها يتم تسليم هذه الأخيرة للهيش وهي مجموعات أقل قتالية شكلت الفرع اللوجستيكي للقوة العسكرية اليهودية و كان تأسيسهاعام 1939 كما قامت هي أيضا بجرائم موازية لعمليات التطهير العرقي.


*ثقة بن غوريون النابعة من المعلومات الاستخباراتية والدعم الخارجي والقوة العسكرية راسل موشي شاريط ،الذي 'عُيِّن كوزير خارجية للدولة اليهودية شهورا قبل قيامها، بن غوريون من خارج فلسطين في18 فبراير 1948قائلا:'إننا نملك قوات تكفي فقط للدفاع عنا و ليس للاستيلاء على الأرض'.فرد بن غوريون:'لو حصلنا على الأسلحة التي اشتريناها في وقتها و إذا حصلنا أيضا على شيء مما وعدتنا به الأمم المتحدة لن يكون فقط بإمكاننا الدفاع عن أنفسنا فقط بل توزيع ضربات قاضية على السوريين في أرضهم و الاستيلاء على كل فلسطين.وأنا لاأشك في هذا.إننا قادرون على مواجهة كل القوى المقاتلة العربية. هذا ليس اعتقادا خرافيا لكنها حقيقة صرفة وحسابات رشيدة مبنية على أبحاث عملية'.ماورد في هذه الرسالة من ثقة يتوافق مع ماقاله بن غوريون في مراسلات أخرى مع شاريط ففي رسالة تعود لديسمبر 1947يقول:'بإمكاننا تجويع العرب في حيفا و يافا إن شئنا'.


*ديسمبر 1947: أولى العمليات
بدأت فرق الهاجانا تهجم عل القرى مدعية بحثها عن المتطوعين العرب وتوزع منشورات تحذر فيها السكان من التعاون مع جيش التحرير العربي .
مقاومة هجمات كهذه كانت تنتهي دوما بقتل بعض القرويين وكان الهجانا يسمون هذا 'الإعترافات بالعنڤحاسييور ها اليم
' هذا أيضا كان من ميراث وينغايت وماعلمه للهاجانا من طرق لإرهاب القرويين في الثلاثينات.الفكرة كانت النفاذ إلى قرية حوالي منتصف الليل والبقاء فيها لساعات، إطلاق الرصاص على كل من يتجرأ الخروج من منزله ثم المغادرة وحتى في أيام وينغايت كانت الغاية من هذا استعراض القوة والترهيب أكثر منه من العقاب.
في ديسمبر 1947تم اختبار طريقة وينغايت في قريتين 'دير أيوب 'و 'بيت عفة'.من يمر اليوم حوالي 15كلمترا جنوب شرق مدينة الرملة ،خاصة في يوم شتوي حيث تصير الأغصان الشوكية في الأراضي الفلسطينية خضراء ا،سيرى منظرا غريبا : أشرطة طويلة من الركام وأحجارا كبيرة مترامية على الأرض وحدود مربع كبير .تلك كانت حجارة جدران دير أيوب .
عام 1947كان هذا الركام يشكل طبقات جدار حجري بني لحماية قرية دير أيوب التي كان عدد سكانها حوالي الخمسمائة 500،يدينون بالإسلام و منازلهم مبنية بالطين والحجارة.
قبيل هجوم الصهاينة على القرية كان أهلها احتفلوا بافتتاح مدرسة سُجِّلَ فيها واحد وخمسون 51تلميذا
.
المدرسة دفعت تكاليفها بمبالغ جمعها القرويون فيما بينهم بل وجمعوا أيضا مايكفي لراتب المعلم.لكن قضي علي فرحتهم تماما حين دخل القرية مجموعة من الجنود الصهاينة على الساعة العاشرة ليلا و بدأوا إطلاق النار على بعض بيوتها ثم أعادوا فعلتهم ثلاث مرات لاحقة قبل أن ينتهوا إلى تدمير القرية كليا في أبريل /نيسان 1948.تصرف المجندون اليهود بنفس الشكل في ديسمبر في قرية بيت عفة في قطاع غزة لكن هناك تم التصدي للدخلاء.
في القرى الفلسطينية على الحدود السورية و اللبنانية وزعت على السكان مناشير تهديد و تحذير تضمنت مايلي:'إذا انتقلت الحرب إلى قريتكم سيتحول الأمر إلى طرد جماعي هائل لسكان قريتكم بأطفالهم ونسائهم.
لمن لا يتمنون قَدَرا كهذا أقول فقط: هذه الحرب ستعرف قتلا بلا شفقة ولا رحمة . إذا لم تشاركوا في هذه الحرب لن تضطروا لترك بيوتكم و قريتكم.'
وتلا هذا بداية عمليات تدمير على نطاق ضيق تم مثلا اختيار القرى الثلاثة في شمال شرق الجليل:
الخِصاص ،نعيمة وجحولة ورغم التردد الذي شاب المسألة في البداية والرغبة في إيقافها إلا أن ييغال آلون قائد البلماخ في الشمال أراد أن يجرب على الأقل الهجوم على قرية واحدة وكانت تلك القرية 'خِصاص '
كانت خِصاص قرية يسكنها بضع مئات مسلمة ومئة مسيحي يعيشون في سلام في مكان فريد .

طبوغرافيا في الجهة الشمالية لمنطقة بحيرة الحولة التي كان السياح الأجانب يقصدونها لجمالها الطبيعي الأخاذ وللموقع الفريد على ضفة البحيرة و القرب من نهر الحاصباني.هجم الصهاينة على القرية في 18ديسمبر 1947في منتصف الليل وبدؤوا يفجرون المنازل حسب اختيارهم ورغبتهم و الأهالي ينامون بداخلها.خمسة عشر 15من السكان من بينهم خمس أطفال لقوا مصرعهم.
هذا الحدث صدم مراسل جريدة 'النيويورك تايمز' الذي تابع الحدث عن قرب فذهب إلى الهاجانا وألح في الحصول على تفسير لماحدث ورغم إنكارهم في البداية إلا أنه ومع إصراره ويقينه بماجرى قام بن غوريون بتقديم اعتذار علني درامي أورد فيه أن الأمر تعلق بعملية غير مرخصة.
بضع شهور بعد ذلك وتحديدا في أبريل/نيسان سجل بن غوريون ماحدث في خصاص في لائحة العمليات الناجحة.

كتب زعيم اليولتراأورثودكس اليهود أغودات إسرائيل:' لقد قيل لنا أن الجيش بإمكانه أن يدمر قرية بأكملها وأن يقصي كل أهلها؛ فلنفعل هذا !'
قررت ما اصطلح على تسميتها آنذاك لجنة الدفاع التعاون التام مع ضباط المخابرات في كل عمليات التدمير والعنف القادمة وثبت أن ضباط الإستخبارات لعبوا دورا أساسيا في تنفيذ مراحل التطهير العرقي القادمة .
شملت الاستراتيجية الجديدة المدن أيضا وكانت حيفا أولى المدن المستهدفة!


*'مجلس ' بن غوريون و زملائه الصهاينة من التحرش و الإرهاب إلى التهجير والطرد والتطهير العرقي
مقترحات عزرا دانين و إلياهو ساسون و الفلسطينيون المتمسكون بالأرض رغم كل شيء
في 10 ديسمبر 1947بدأ عزرا دانين ومساعده يهوشوا بالمون الاجتماع بأن النخبة الفلسطينية في المدن تغادر إلى إقاماتها الشتوية في سوريا و لبنان و مصر وكانت تلك ردة فعل في أوقات التوتر يليها البحث عن عودة آمنة حين تهدأ الأمور وهذا ما استغله بعض المؤرخين الإسرائيليين معتبرين هذا'التجنب المؤقت للتوتر ' هربا طوعيا لإقناعنا بأن إسرائيل ليس مسؤولة عن هذا.لكن الحقيقة أن هؤلاء غادروا بنية العودة إلى منازلهم لكنهم منعوا من طرف الإسرائيليين للعودة إلى بيوتهم بعد بقائهم لوقت قصير في الخارج وهذا أيضا تهجير قسري لايقل عن أي تهجير و إبعاد قسري للساكنة المحلية لتطهير منطقة من سكانها الأصليين.دانين قال أيضا أن هذه المغادرة الوحيدة من نوعها للفلسطينيين خارج الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة إلى جانب تحركات للبدو للإقامة بجوار قرى عربية خوفا من الهجمات اليهودية وكان ذلك مخيبا لآماله لأن الفلسطينيين تشبثوا بأرضهم وأماكن إقامتهم في فلسطين لذا طالب بالتحرك الفوري بشكل أعنف وشرح للمجلس إيجابيات عمليات العنف ضد الفلسطينيين :علم من مخبريه أن العنف ضد الفلسطينيين سيرهبهم وأن المساعدات من الدول العربية ستكون غير مجدية .
سأله بن غوريون:'ماذا تقصد بعمليات العنف؟
فأجاب:'تدمير وسائل النقل(حافلات،شاحنات،سيارات..)إغراق مراكب الصيادين في يافا؛ إغلاق دكاكينهم ، منع المواد الأولية عن مصانعهم.
سأل بن غوريون:'وكيف ستكون ردة فعلهم على هذا؟'
فأجاب:'على حسب ،ربما بالإضرابات ولكنهم في نهاية المطاف سيفهمون'.
الهدف الأساسي كان تحسيس الشعب الفلسطيني أنه سلم إلى الصهاينة وأن قدره بين أيديهم.
ثلاثة أيام بعد ذلك كتب بن غوريون لشاريط يشرح له الفكرة:'الفلسطينيون في المنطقة اليهودية سيتركون بمشيئتنا لليهود يفعلون بهم مايشاؤون حتى تجويعهم'.
يهودي آخر يدعى إلياهو ساسون آت من سوريا كان له خبرة وتجربة في التفرقة والتحريض شكك في نجاعة الخطة (لكن محاولاته لضرب الجماعات الفلسطينية ببعضها لن يكون لها معنى والمجلس يقدم على التطهير العرقي
ومع ذلك فإن سياسته في التفريق وتحريض الفصائل والجماعات ضد بعضها ستظهر في مستقبل السياسة الإسرائيلية و بشكل مباشر حين انضمت أقلية درزية عام 1948إلى الجيش الإسرائيلي في وحدات استعملت كأداة للضغط على الفلسطينيين في المناطق المحتلة).
إلياهو ساسون حاول في اجتماع العاشر من ديسمبر 1947إقناع زملائه بأنه رغم رغبتهم بإبعاد الفلسطينيين لاداعي للنظر إليهم جميعا كأعداء وأن عليهم مواصلة سياسة التفرقة للسيطرة وكان لايزال فخورا بدوره في الثلاثينات حيث قام بتسليح جماعات فلسطينية مكونة من منافسين للحاج أمين الحسيني وحدت أثناء الثورة الفلسطينية أن بدأت هذه الجماعات تصارع قوى الوحدة الوطنية.ساسون أراد أن يطبق نفس السياسة مستخدما بعض القبائل البدوية.