ترجمتي من الفصل الثالث: التقسيم و التدمير و قرار الأمم المتحدة 181/من كتاب التطهير العرقي لفلسطين لإيلان بابي

من الفصل الثالث: التقسيم و التدمير و قرار الأمم المتحدة 181
حين بدأ الصهاينة التطهير العرقي في ديسمبر عام 1947كان ثلثا سكان فلسطين من الفلسطينيين الأصليين رغم هجرة اليهود و رغم الاستيطان كما أنه و رغم مساندة سلطات الاحتلال البريطانية لليهود و بيع و سلب الأراضي فإن نسبة الأراضي التي كان يملكها اليهود لم تزد عن 5،8% وقتها.
واجهت القادة الصهاينة مشكلة عجزهم عن إسكان القادمين الجدد في البوادي فمعظمهم كان يريد الإقامة في المدن وكانت نتيجة ذلك أن المستوطنات في البوادي كانت متباعدة مثلا في الجليل أو النقب وأن نسبة اليهود بجوار القرى الفلسطينية كانت أقل بكثير من نسبتهم في المدن.
عام 1947أحالت لندن مشكلة الصراع بين الفلسطينيين و اليهود على الأمم المتحدة مع العلم أن التقسيم فكرة جاء بها الصهاينة وروجوا لها ودعمتها بريطانيا.
مجلس الأمم المتحدة كان حديث العهد ،إذ لم يكن عمره حينها يتجاوز السنتين،و أحال قضية فلسطين وقدرها على لجنة خاصة اختصارها UNSCOP أعضائها لايمتلكون أدنى خبرة لحل النزاعات من هذا النوع بل والأفظع أنهم كانوا على جهل كبير بتاريخ فلسطين.طرحت لجنة UNSCOPاقتراح تقسيم فلسطين إلى دولتين تجمعهما نوع من الوحدة الفيدرالية لأسباب اقتصادية وأن تكون القدس جسما فاصلا بين الدولتين يقع تحت تسيير دولي تشرف عليه الأمم المتحدة.التقرير الذي أتت به اللجنة تنبأ بأن تكون الدولتان متطابقتان تماما لم يأخذ بعين الاعتبار التوازن الديمغرافي كما شدد على ضرورة الالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية و الليبرالية.
و يوم 29نوفمبر 1947أطلق على هذا القرار رقم 181للاجتماع العام.
لو كانت الأمم المتحدة قررت التقسيم آخذة بعين الاعتبار التوزيع السكاني لما منحت اليهود أكثر من 10% من مساحة فلسطين لكنها قبلت الامتيازات التي منحها الصهاينة لأنفسهم في فلسطين وحاولت فوق هذا تعويض اليهود عن ماحدث لهم في هولوكست أوروبا.أمسك الصهاينة بزمام اللعبة الدبلوماسية عام 1947لدرجة أكسبتهم الثقة بأن يطلبوا من اللجنة أن تمنحهم 80% من أرض فلسطين لكن أعضاء اللجنة ساعتها رأوا الطلب غير معقول و أن الصهاينة عليهم أن يكونوا جد راضين إن منحوا 56%من الأرض كما ازداد التوتر مع فكرة التقسيم خاصة في المدن المختلطة والفوضى التي عمت بعدها كانت الحرب العربيةـ الإسرائيلية و بداية التطهير العرقي لفلسطين.
قرر الزعماء الفلسطينون منذ البداية مقاطعة قرارات الأمم المتحدة وهذا القرر يستعمل كثيرا في البروبغندا الإسرائيلية المعاصرة لتحميل الفلسطينيين نفسهم مسؤولية ماحدث سنة 1948عوض اتهام 'إسرائيل'.
لكن المؤرخين الفلسطينيين استطاعوا بجدارة توضيح  إلى أي مدى كانت إجراء ات الأمم المتحدة جائرة و غير قانونية.
يقول وليد الخالدي:'الشعب الأصلي الفلسطيني رفض اقتسام الأرض مع مجتمع محتلين تماما كما رفضت الشعوب الأصلية ذلك في بلدان العالم العربي و آسيا و إفريقيا و أمريكا و أوروبا'.حين قبل القرار118في نوفمبر 1947بدأت أبشع الكوابيس تترآى للزعماء الفلسطينيين :تسعة أشهر بعد أن أعلنت بريطانيا الانسحاب وجد الفلسطينيون أنفسهم مُسَلَّمين لمنظمة دولية على تمام الاستعداد لاستعمال وساطتها ومكانتها الدولية لفرض حل لاقانوني و ظالم ولاأخلاقي عليهم.كثير من الزعماء الفلسطينيين طالبوا آنذاك باختبار قانونية القرار والنظر فيه من طرف محكمة العدل الدولية المنشأة عام 1946ما لم يحدث أبدا.والمسألة لاتحتاج لرجل قانون محنك ليعرف قرار المحكمة وحكمها حول حل مطروح على شعب يرفضه معظم الشعب رفضا قاطعا فالسكان الفلسطينيون الأصليون كانوا معظم الشعب وأغلبيته.
الظلم كان واضحا كما هو الآن ومع ذلك لم يقل الكثير في الجرائد الغربية ذات الوزن والتي كانت تتابع أحداث فلسطين:اليهود الذين يمتلكون أقل من 6%من مجموع الأراضي الفلسطينية والذين لايشكلون أكثر من ثلث السكان حصلوا على نصف الأرض.ولم يدم الأمر طويلا حتى بدأ إجحاف القرار يظهر فالتقسيم منح الأراضي الأكثر خصوبة لليهود وكذلك كل المدن التي سكنها اليهود تقريبا والقرى و كذلك 400قرية واقعة في تلك المناطق.يقول وليد خالدي عن القرار 118:'قرار سريع لإهداء نصف فلسطين لحركة إيديولوجية صرحت في الثلاثينات علنا أنها تريد محو عروبة فلسطين والأكثر لا أخلاقية في القرار 118أنه لم يتضمن أية ميكانيزمات لتجنب حدوث تطهير عرقي في فلسطين'.

لم يكن الصهاينة راضين عن الحل الأممي ' 118' ولو كان الفلسطينيون قبلوا به لكانوا هم رفضوه ولقد وضح بن غوريون لزملائه كيف بإمكانهم قبول القرار الأممي ل 19 نوفمبر 1947وفي نفس الوقت تجاهله.
المكسب كان الإعتراف بدولة يهودية على أرض فلسطين أما الحدود فسترسم بالعنف لابالدبلوماسية.
'القدس كمدينة محايدة تحت إشراف دولي' لم يكن أيضا ليرضى به بن غوريون و رفقاءه الصهاينة فهدفهم كان أن تكون كل القدس عاصمتهم اليهودية.
' المجلس '(المذكور في الصفحة الأولى/ بن غوريون ورفقاءه الأحدا عشر ) سيبدأ باتخاذ أهم قراراته و أكثرها سرية وبين الأعضاء فقط سيتم الاتفاق على تجاهل التقسيم المعروض من طرف لجنة الأمم المتحدة واللجوء إلى القتل والعنف لجعل اليهود الأغلبية و النخبة في فلسطين.
لم توجد تقارير عن أغلب اجتماعات "مجلس بن غوريون ورفقاءه" ولم يتخذ شكلا سياسيا رسميا ماعدا عن بعض اللقاء ات الجد حاسمة.
لكن بن غوريون كان يكتب ملخصات الاجتماعات في كتاب يومياته كما أن بعض أعضاء ' المجلس ' سيكشفون في مراحل متأخرة عن بعض ماكان يدور في لقاء اتهم للصحافة؛ كما أن مادونه بن غوريون وكذلك 'يوزيف ويتز' في يومياتهما وأرشيف 'إسرائيل غاليل' ومراسلات بن غوريون لزملائه مصادر مهمة لمعرفة ماحدث وماحيك للاستيلاء على فلسطين و تطهيرها عرقها للقضاء على عروبتها و تهويدها.