ترجمتي/ من الفصل الثاني لكتاب التطهير العرقي في فلسطين لإيلان بابي.

من الفصل الثاني:البريطاني وينغايت و الهاجانا

سمح البريطانيون منذ البداية لليهود أن ينشئووا جيبا داخل فلسطين كبنية تحتية لدولة مستقبلية داخل فلسطين وفي نهاية الثلاثينات كان بإمكان القادة أن يترجموا الرؤى النخبوية اليهودية إلى مخططات ملموسة .
الاستعدادات الصهيونية للاستيلاء على الأرض عن طريق العنف إن لم تنجح الدبلوماسية في ذلك تطلبت تأسيس منظمات عسكرية فعالة وكان هذا يستدعي تعاون الضباط البريطانيين المستلطفين لليهود والبحث عن الدعم المالي (الذي ستتكلف به الدياسبورا اليهودية /يهود الشتات).
من جوانب أخرى كان تكوين كيان دبلوماسي جزء ا من التكامل للتحضير لمنع قيام دولة فلسطينية ولو باستعمال العنف.
الضابط البريطاني أورد شارل وينغايت وعى الزعماء الصهاينة بأن تكوين دولة يهودية يجب أن يمشي جنبا إلى جنب مع مفهوم تكوين عسكري و جيش أولا لحماية الجيوب اليهودية المتنامية في فلسطين وثانيا وذلك الأهم لاستعمال العنف المسلح للإرهاب الفعال للفلسطينيين إن حاولوا المقاومة والتصدي.
 وينغايت ولد في العشرينات في الهند في أسرة عسكرية وتربى تربية جد دينية.
عمل في البداية في السودان حيث ساهم بشكل فعال ومميز في جعل تجار الرقيق يقعون في كمائن.
نقل سنة 1936إلى فلسطين حيث أعجب بسرعة بالحلم الصهيوني فقرر أن يساعد المستوطنين اليهود وبدأ يدرب فرقهم على تقنيات القتال والانتقام وعقاب الساكنة المحلية .
ولا عجب أن كثيرا من الصهاينة أعجبوا به.
وينغايت أعاد تكوين المنظمة العسكرية اليهودية في فلسطين 'الهاجانا'.
المنظمة كانت أنشئت عام 1920والإسم العبري يعني 'الدفاع ' ماينم عن هدفها آنذاك أي الدفاع عن المستوطنات لكن تحت تأثير وينغايت صارت الهاجانا الذراع المسلح للوكالة اليهودية و الجسم الصهيوني العسكري المنفذ الذي سيتبنى مخططات الاستيلاء على كل فلسطين ويطبقها بما فيها التطهير العرقي للسكان الأصليين.
الثورة العربية /الفلسطينية منحت الهاجانا فرصة لتطبيق التكتيكات التي لقنهم وينغايت إياها لتنفيذها في البوادي الفلسطينية، كانت غالبا على شكل أعمال انتقامية ضد مسلحين ببندقيات/قناصين على الطرق أو لصوص يسرقون البضائع من الكيبوتسات لكن الهدف الحقيقي منها كان إرهاب وإفزاع الساكنة الفلسطينية القريبة من المستوطنات اليهودية.نجح وينغايت أثناء الثورة الفلسطينية في ضم الهاجانا إلى صفوف المقاتلين البريطانيين لكي يتعلموا كيف تكون'طلعة عِقابية'في القرى الفلسطينية.
هكذا تمكن اليهود سنة 1938لأول مرة تجريب مايكون احتلال قرية فلسطينية:هجمت وحدة هاجانا مع فرقة بريطانية على قرية فلسطينية بالقرب من الحدود اللبنانية و احتلتها لبضع ساعات.
بعض عناصر الهاجانا اكتسبت خبرة في الحرب العالمية الثانية بمشاركتها طواعية للخدمة العسكرية مع الجيش البريطاني والبعض الآخر ظل يجمع المعلومات عن فلسطين وعن اختراق مايقارب 1200قرية منتشرة منذ قرون في الضواحي الفلسطينية.

واحد من عناصر الهاجانا الذين كلفوا بجمع المعلومات و القيام بأولى الرحلات الاستخباراتية للقرى الفلسطينية موشي باستارناك حيث نشط من أجل ذلك سنة 1940وقال متذكرا سنوات بعدها مايلي:
'كان علينا دراسة البنية الأولية للقرى العربية(يقصد الفلسطينية طبعا) وهذا يعني البنية لإيجاد الوسيلة المُثْلى لمهاجمتها.
في تداريبي العسكرية تعلمت كيف أهاجم مدنا أوروبية عصرية لا قرية بدائية في الشرق الأدنى.
لم يكن بإمكاننا مقارنة قرية عربية بِقرية بولونية أو نمساوية.
القرية العربية كانت مختلفة عن القرى الأوروبية طوبوغرافيا كانت مبنية على التلال، هذا يعني أنه كان علينا أن نجد طرقا للوصول إلى القرية من الأعلى أو نغزوها من الأسفل .
كان علينا أن نعلم 'مستشرقينا ' كيف يتعاملون مع من يمدونهم بالمعلومات.'
المشكلة التي تظهر في كثير من ملفات القرى الفلسطينية هي تعذر خلق نظام متعاون مع الاستخبارات والعمل مع أناس وصفهم باسترناك بالبدائية والتوحش حيث قال عنهم:'أناس يشربون القهوة بكثرة ويأكلون الأرز بأيديهم مايجعل من الصعب الاستناد عليهم كمخبرين'
سنة 1943كان هناك إحساس متنامي بأنه تم خلق شبكة من المخبرين و في نفس العام كانت ملفات القرى معادة الترتيب لجعلها قابلة للاستخدام بطريقة منظمة وكانت تلك مهمة رجل واحد عزرا دانين الذي سيلعب دورا رياديا في التطهير العرقي لفلسطين.

ملفات القرى الفلسطينية والتجسس الدقيق :
ملفات القرى الفلسطينية بعد سنة 1943تحتوي على أدق التفاصيل والأوصاف عن الزراعة و الماشية وعدد الأشجار في الحقول و جودتها (حتى جودة بعض الأشجار بشكل خاص)، متوسط أملاك كل عائلة ، عدد الدكاكين و السيارات والعمال في كل مكان عمل وأسماء أصحاب المهن في كل قرية و تخصصاتهم .
ولاحقا أضيفت معلومات شديدة الدقة عن كل عشيرة والتوجهات السياسية لأفرادها وعن مختلف الطبقات الاجتماعية من محاسبين وفلاحين وموظفين..
جمع المعلومات صار هدفا في حد ذاته وحوالي عام 1948أضيفت تفاصيل كأوصاف المساجد و أسماء الأئمة وحتى أوصافهم مثل'رجل عادي' وتقارير دقيقة حتى عن أوصاف غرف معيشتهم.
في آخر مرحلة الانتداب إتخذت المعلومات شكلا عسكريا:
*عدد حراس القرى(لم يكن لغالب القرى أي حارس)
*عدد ونوعية الأسلحة التي يملكها القرويون(في غالب الأحيان أسلحة قديمة أو غير صالحة).
عزرا دانين استعان بيهودي ألماني إسمه ياكوف شيموني صار في مابعد مستشرقا إسرائيليا مهما.
كلفه دانين بمشاريع خاصة في القرى حيث كان عليه توجيه وتزعم شبكة المخبرين.
واحد من مخبري شيموني لقب بحارس الكنز ها جيزبارهاءعيزبار وكان مصدرا مهما لجامعي المعلومات من 1941إلى 1945كما أرسل مجموعة متعاونين لهم.
سنة 1945كشفه المقاومون الفلسطينيون فقتلوه.
بعد فترة قصيرة دعم دانين و شيمونيYehoshuaPalmonو توفيا ليشانسكيTuvia Lishanskiوكلا الاسمين يجب تذكرهما لدورصاحابيهما في الإعداد لعمليات التطهير العرقي في فلسطين.
نموذج قرية أم الزينات في مشروع ملفات القرى
غير بعيد عن قرية فوريدس والمستوطنة العسكرية اليهودية زيخرون ياكوف كانت تدرب وحدات خاصة سنة 1944لخدمة مشروع ملفات القرى (فيما هو الآن داخلية لأبناءالصهاينة تسمى شفاية  ).
شفاية كانت تشبه كثيرا مدن التجسس إبان الحرب الباردة: كان اليهود هناك يتحدثون العربية ويقلدون عادات العرب ويحاولون التدرب عليها.
عام 2002 قال أحد الذين شاركوا في تلك التداريب والذي أرسل إلى قرية أم الزينات عام 1944لجمع المعلومات حول منزل المختار ومكان المسجد وموقع مساكن أغنياء القرية وعن من نشطوا في ثورة 1936.
أن مهتهم لم تكن بالخطيرة جدا لأنهم كانوا على علم بالعادات العربية واستجداء كرم الأهالي مماجعلهم يحلون حتى ضيوفا على المختار نفسه،ولأنهم لم يتمكنوا من جمع المعلومات في يوم واحد سألوا إن كان بإمكانهم العودة .
في المرة الثانية كان عليهم جمع معلومات عن خصوبة الأرض وقد أدهشتهم جودتها العالية.
عام 1948تم تدمير قرية أم الزينات وأبعد كل أهلها.
بعد الخطتين ألف عام 1937وباءعام 1946 جاءت الخطة جيم /جيمل بالعبريةأواخر 1946وجاء فيها:
*قتل الزعماء السياسيين الفلسطينيين
*قتل المقاومين الفلسطينيين ومن يمنحهم دعما ماليا
*قتل الفلسطينيين ممن يقومون بعمليات ضد اليهود
*تدمير وسائل النقل الفلسطينية
*تدمير وسائل العيش الفلسطينية:مصادرالماء،طواحين..
*الهجوم على القرى التي قد تساعد قرى أخرى*الهجوم على المقاهي و الأندية و أماكن اللقاء..
*قتل الضباط الفلسطينيين و الموظفين.وأشارت الخطة جيم إلى أن المعلومات اللازمة للتنفيذ موجودة في ملفات القرى .
أشهرا بعدها رسمت الخطة الجديدة الخطة دال /دالت التي دعت إلى طرد و إقصاء و إبعاد الفلسطينيين والذين لم ينجح لا الاحتلال ولا شراء الأراضي في تحويلهم إلى أقلية لأنه كانوا الأغلبية دوما.


*تقرير لقناة الجزيرة عن قرية أم الزينات: