حيث كان فينسنت فان خوخ

 في هذه الرحلة القصيرة ألغيت بعض المشاوير التي كنت برمجتها، بشكل ما أخذتني الطبيعة وجَنَّبَتْنِي المدن، ومع الابتعاد عنها غابت المتاحف الفنية. نجحت رغم ذلك بضمير الأوفياء في تحصيل مساء قريب من أثر فان خوخ.
إلى نيو أمستردام التي قصدها الأمسترداميون ،لجني الربح من بيع الخث الذي يوجد بوفرة في المنطقة، وإليها هي التي قصدها فينسنت فان خوخ، عملا بنصيحة صديقه أنطون فان رابارد باحثا عن مكان إقامة  ذهبت، إلى البيت الذي مكث فيه مدة شهرين عام 1883 وقضاها متناغمة وإيجابية .
في مقهى البيت الطاولة التي كان يكتب عليها كلامه الطيب عن المنطقة وبعض المناظر التي أراحت خاطره فيقول كلاما مثل:'' إن كلَّ شيء مكتملٌ هنا وكلُّ ماأجده جميلا، بمعنى آخر هنا السلام '' .  
ما يعكس رضاه ولاينفي نظرات الآخرين إليه التي لم تختلف عن مثيلاتها في مناطق أخرى مرّ بها .حذر واستغراب ونفور لم يُيَسِّروا أموره كالعادة. ومنها أن ماسهل استئجاره لغرفته كان قوله بأن والده رجل دين وأن البداية كانت ريبة بشأنه ستؤدي إلى رفضه كنزيل.
وفي الغرفة الصغيرة في الطابق العلوي سريره الخشبي وغطاؤه المليء بالقش وكرسيه وحقيبته الصغيرة التي تدل على قلّة متاعه.
أثناء الإقامة في إقليم درينت صاحبه الإقبال على فنّه وقراءته للغة الطبيعة لصالحه كإنسان وتجربته كفنان. تنقله في المناطق المجاورة لمكان إقامته ساعده على إنجاز رسوم دونت حكاياتها رسائل كثيرة لأخيه, منها لوحات بالألوان المائية والزيتية ورسوم متنوعة, بعضها حُفِظَ والقليل منها ضاع.
حملت إبداعاته مناظر متنوعة منها الطبيعية ومنها ممارسات فلاحين من المنطقة ومنها أيضا وقفات له كميلي الذي تأثر به، فكما رسم هذا الأخير كنيسة غريفيل رسم هو كنيسة زفييلو. 
مرحلة مشرقة وسط مشوار تعاقبت عليه الفترات الداكنة بقيت كالشعاع الأبيض الذي يتحدث عنه في إحدى رسائله من نيو أمستردام ومن رسائل أخرى كلام إنساني شفاف كهذا:المرء لايجب أن يكون إنسانَ مدينة بل إنسان طبيعة، حتى إن كان متحضرا أو شيئا ما آخر. لاأعرف كيف أقولها بالتدقيق لكن يجب أن يكون في المرء شيء ما لاأعرفه يُغلق له فمه ويجعله نشيطاـــ شيءٌ صامت وإن تحدث ــ داخلي صامت،أقول، ويدفع للفِعْل.
إنني منذ شهر أتنفس هواء صحيا وقد كنت فعلا محتاجا إليه..إنني أتحدث بهدوء وأفكر بهدوء الآن.
عودة القطيع في الشفق كانت نهاية السمفونية التي استمعت إليها بالأمس. مرّ ذلك اليوم كحلم. لقد كنت طوال اليوم متعمقا في تلك الموسيقى المثيرة للحسرة، لدرجة أنني نسيت الأكل والشرب؛ تناولت فقط خبزا وقهوة في النزل وأنا أرسم عجلة غَزْل. لقد انقضى اليوم ومن شفق الصباح إلى شفق الليل أو من الأفضل القول من تلك الليلة إلى الليلة الأخرى نسيت نفسي في تلك السمفونية.''
Nassira  --21-12-2014--Drenthe