الإنسان '' السيد هولو Hulot''وغيره في فيلم ''خالي'' لجاك تاتي.

       فيلم '' خالي '' لجاك تاتي ،الحائز على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 1958، واحد من الأعمال السينمائية الشديدة الثراء بما تتضمنه من مؤثرات صوتية وتفاصيل تسترعي انتباه المُشاهد.
أَخْذُ الفترة التاريخية التي أُنتج فيها الفيلم وطفرة الاختراعات التي عرفتها بعين الاعتبار يفسر بعض ما يتناوله المخرج ويضفي عليه نوعا من المبالغة الناقدة الطريفة كما أنّه يفتح مجال المقارنة والتأمل لأثر الآلة على أداء الإنسان وتطلعه وسلوكه. 
ينتقل طفل عائلة '' أربل '' من الفيلا المصممة بطريقة حديثة ,حيث تسمح الأزرار باستجابة الأشياء لخدمة الزوجين , مع خاله إلى الحيّ الشعبي لتستقبله تجارب عالمٍ آخر.
من جوّ النظافة والانضباط ومواكبة ماتقدمه التكنولوجيا لخدمة الإنسان إلى جوّ الانفعالات وغليان حياة الناس وشغب الطفولة الذي لايخشى الأتربة أو مضايقة الكبار، يحيل المُخرج الذي يؤدي دور 'السيد  هولو  '' المُشاهد إلى قيمة الطفولة واستمرارها في شخصية الفرد.
'' السيد هولو  '' الذي ينسجم مع ابن أخته رجلٌ فوضويّ يسكن بيتا ذو مشوارٍ ملتوٍ ، الناس المحيطون به وإن اقتربوا منه لا يلجون عالمه تماما، فهو لا يظهر ذو حياة عاطفية أو منخرطا تماما في اهتمامات غيره. إنّه الرجل الطويل القامة الذي تظهر جواربه المخططة من أسفل سرواله المثني ومن يمتطي دراجة عليها مظلة بينما يركب السيد ''أربل'' مدير مصنع البلاستيك سيارات أنيقة. رجلٌ لازال الطفل الذي بداخله مكشوفا مقابل رجل انخرط انخراطا كاملاً في عالم الراشدين المسؤولين. هنا مسألة لم يتجاوزها الزمن وكما عرفتها حياة المخرج جاك تاتي، إبن الدبلوماسي الروسي الذي اختار أن يكون فنانا وتمرد على صرامة البيت والترتيب الإجتماعي وإن كان أخذ منه الكثير الذي لازم شخصيته، يعرفها الكثيرون ولا تقتصر على مجتمع دون غيره. اختيار عدم المسايرة برغبة واعية أو الفشل فيها لأنها تفوق الإمكانات الفردية أو تتطلب مواهب غير تلك التي يملكها الفرد كثيرا ماتُنتج أفرادا يشبهون السيد ' هولو ' لطفاء وغريبين، يصنعون حظوظهم بدأب وعناد أو يركنون إلى رتبة الموسومين بالفشل محافظين على طبعهم رغم كل شيء. بين تعذر الاستسلام لأقفاص الأدوار الاجتماعية وعدم التماهي مع السلوكيات السائدة بشكل عام نرى منطقة الطفولة الباقية عند السيد 'هيلو'، كما تتضح حسنة تواجد شخص مثله في عالم الطفل جيرارد أربل. الرفاهية والإرشاد والتوجيه ليست الأساسيات الوحيدة التي يحتاجها الصغار ، الحميمية والاقتراب الإنساني ومنح مساحات لحرية الاستكشاف الباعث على السعادة وإيجاد الذات أمورٌ لاتقل أهمية.
مع فيلم '' خالي '' نتوقف عند عمل سينمائي تدخلّ فيه مخرجه بشكل كبير إذا علمنا باهتمامات جاك تاتي بالتقليد وانتباهه للحركة والصوت، ومعه نلمس جليًّا الجدية المشيرة لسلوك وطباع الإنسان وحتى حزنه العميق الذي يختبئ خلف الفكاهة ويغذيها. ما لم يتغير منذ 1958 إلى الآن ومايزيد في عمر العمل ليس استمرار نموذج '' السيد  هولو  '' في البقاء فقط، بل استمرار فتنة الآلة التي تجعل تناول المخرج الفرنسي ،وإن بدا كاريكاتوريا أحيانا، يسمح بتبين الاستلاب الناتج والهوّة التي تنشأ بين الأشخاص وعوالمهم.
Nassira 11-4-2015