عن فيلم 'فندق بودابيست الكبير '

قد يكون الكثير منّا عاشوا ذلك الموقف الغريب حيث يستغرق الغير في الضحك بينما لا ننجحفي مجردّ اصطناع الابتسامة، فنحافظ على برود يناسبنا ولايناسب انفعالات من حولنا.الكوميديون المُجِيدُون يدركون صعوبة مهمة إثارة وصناعة الضحك كلّما ارتفع مستوى ذكاء المتلقي وثقافته. الدماغ عندنا كأنّه يطور مناعة ضد المتكرر والمتوقع في الفكاهة فيسبق الاستقراء أو الاستنتاج ماسيحدث أو يقال وتفشل فرصة صناعة الضحكة. في فيلم '' فندق بودابيست الكبير '' قد يتوقع المشاهد أنه على موعد مع مايثير ضحكه حتى قبل دخوله البناية الفاخرة لكنه سيفاجأ كثيرًا بقدرة النص والصورة والموقف على تحطيم أقفاص المنطق وإثارة انفعالاته التي من بين ماينفلت منها: ضحكٌ متحرر من التفكير.البواب القدير السيد غوستاف والشّغيل مصطفى زيرو الحديث العهد في الفندق يقتربان من بعضهما بسبب الظروف المتلاحقة ويعيشان عالمًا من الأحداث يملأ كتاب مؤلّف يصغي باهتمام.رالف فاينس (السيد غوستاف ) وطوني ريفولوري ( زيرو شابا) ينسجمان في الأداء وفي الاحترام والوفاء لبعضهما كما تتطلب الأدوار. بعد أن توافي المنية السيدة دي (تيلدا سوينتون) ويسافر الرفيقان لمقابلةالوداع الأخير تبدأ المغامرة ومحاولات النجاة من مكائد حقد الورثة. فأول التركة لبواب فندق بوادابيست الودود لوحة ثمينةيحاول الإبن استرجاعها بعد أن ينجح غوستاف وزيرو في أخذها وتخبيئها في مكان آمن بمساعدة آغاثا الدقيقة صانعة الحلويات وخطيبة زيرو.المحامي يكتشف ضياع إحدى الأوراق المتعلقة بالوصية التي عدّلت مرارا وغوستاف يودع السجن لكن اليأس لايتسلل للنفوس.هؤلاء المساجين ذوو الوجوه والطباع المميزة التي تذكر بالشخصيات الكرتونية ،من بينهم الممثل الأمريكي هارفي كيتل في دور بينكي، كأقرباء العجوز ومنهم ويليم دافو في دور جوبلينغ وأدريان برودي في دور الإبن ديمتري ،كان اختيارهم موفقا لإخراج النسق من الجدية إلى الهزل وتقبل تلك اللقطات اللاواقعية التي لايملك المشاهد أمامها إلا الذهول القصير ثم الاستسلام للضحك.في محاولة الهروب من السجن يظهر غوستاف والمتواطئون معه وهم يتخطون الحراس دون أن يستيقظ أيّ منهم، وعندما تنتبه لهم لاحقا مجموعة أخرى كانت تلعب الورق فإن أحد الهاربين يقفز ويطعن كل أعضاء المجموعة طعنات مميتة عدا واحد منهم ينجح محتضرا في ردّ الطعنة ليموت الجاني والضحية معا.ويكون مايقوله أحد رفاقه الهاربين عنه:'' هذا مانسميه '' التعادل '' ''.يتضمن الفيلم مساحة للعاطفة الصادقة التي تتجاوز اللون والانتماء والنظرة الاجتماعية وفيه تأكيد على قوة المبدأ والطبع عند البطل السيد غوستاف الذي سيتأثر به رفيقه, مع العلم أن الاثنان أخلصا لبعضهما حتى آخر رمق.
'' فندق بودابيست الكبير '' مستوحى من أعمال للكاتب النمساوي شتيفان تسفايج ومن إخراج '' ويس أندرسون '' وقد حصد بداية هذا العام بداية هذا العام (2015) جوائز عديدة من بينها أربع جوائز أوسكار. يُشهد للفيلم أيضا بغناه بالألوان وبموسيقى رفيعة تجمع بين جاذبية وعمق الإرث الكلاسيكي وإيقاع ينم عن الحركة والغموض الذي يسبق حدوث مايصعب تخمينه.
Nassira--28-3-2015