البحر- مارسيل بروست -- سبتمبر 1892 ( ترجمتي)
البحر سيسحر دوما من يسبق عندهم النفور من الحياة والانجذاب للغموض أولى الأحزان، كأنّ لديهم إحساسا مسبقا بعدم قدرة الواقع على إرضائهم. هؤلاء المحتاجون للراحة قبل الإحساس بأيّ تعب، يواسيهم البحر و ينعشهم بصورة مبهمة. البحر لايحمل مثل الأرض آثار أعمال الناس و الحياة البشرية. لاشيء يبقى فيه، لا شيء يمرّ إلاّ ليهرب والأمواج التي تنحسر خلف المراكب الذاهبة سرعان ماتتلاشى! من هنا ذلك النقاء العظيم الذي يملكه البحر ولاتملك الأشياء على اليابسة. تلك المياه العذراء أرق من الأرض المتصلبة التي يلزمها معول للبداية. خطوة طفل على الماء تحز أخدودا بصوت صافٍ وتدرجات الماء الموحدة تتكسر للحظة؛ ثم يختفي كلّ أثر ويعود البحر هادئا كما في أيام بداية العالم الأولى. من يمل من طرق الأرض أو يتخيّل حتى قبل تجريبها، كم هي قاسية وفظّة سيكون مفتونا بالطرق الشاحبة للبحر، الأخطر والأنعم؛ غير الموثوق فيها والخالية. كل شيء في البحر أكثر غموضا، حتّى تلك الظلال الكبيرة التي تطفو أحيانا على حقوله العارية، بدون بيوت ولا أوراق تشكّل الظّلال، وتمدّد الغيوم، تلك القرى السماوية و الفروع المبهمة. له جاذبية الأشياء التي لاتص...