قطيع ذئاب في مانهاتن

الفضول مع بعض الجرأة دفعا المخرجة "كريستال موسيل " للتّعرف على أبناء " أنغولو " حين رأتهم يعبرون أحد شوارع نيويورك بنظارات سوداء وأزياء متشابهة و شعور طويلة.
التعارف أفضى إلى صداقة جميلة ومشروع وثائقي يكون شغف الإخوة بالسينما ومحاولتهم الولوج إلى ميدانها موضوعه. فكرة حادت عنها المخرجة بعد أن استمرت الصداقة بضع أشهر وقادتها عبارة "أنت أوّل صديقة لنا " لحقائق أخرى.
" موكوندا "، "نارايانا "، " غوفيندا"،" باغافان "، جاغاديش " ، " كريشنا " وأختهم " فيشنو " بأسمائهم الإلهية وأعمارهم التي كانت تتراوح في فترة تعارفهم مع كريستال بين الثامنة عشر والحادية عشر قضوا طفولتهم معزولين عن العالم الخارجي، مقتربين منه فقط من خلال الأعمال السينمائية.
في الشقة التي لا يغادرونها إلاّ مرّات معدودة ، قد تصل في حدها الأقصى لتسع مرات في العام الواحد، تتلمذوا على يد والدتهم ، تفرجوا على كم هائل من الأفلام، نموا ونمت معهم قدراتهم على التخيل و الإبداع. يكتبون سيناريوهاتهم ويصنعون مايلزمهم من ديكور  وأدوات ويمثلون أدوارهم ليملأوا أوقات فراغهم.
شهادة الوالدين في الشريط الوثائقي الذي حمل عنوان " قطيع الذئاب " فسّرت جزءًا من الذي جرى. فالنهج الذي اختاراه الراشدان لتربية أبنائهما كان مقصودا وله أسبابه.
الأم المعطاءة الصبورة و الأب الذي أخافه الحيّ النيويوركي الذي سكنه لم يستطيعا توفير المحيط الخارجي اللذان كان يتمنياه لصغارهما.
كان الأب يحلم بهجرة إلى بلد سكاندينافي يبدو له أكثر منحا للطمأنينة والأمان وكانت الأم من نوافذ شقتها في العمارة العالية لاترى مروجا خضراء كالتي ألفتها طفولتها.
الوالد هو الوحيد الذي كان يغادر البيت بشكل مستمر. لتبقى الأم مع انشغالاتها ووظائفها البيتية و في أغلب الأحيان ويجنح الأبناء إلى عالم السينما كعالم بديل في وقت فراغهم.
من يتابع " قطيع الذئاب " يمكن أن يرى بصمة السينما في حوارات الأبناء واهتماماتهم، لكن له أيضا أن يعلم بأن بعض الأبناء ، بعد تمردهم على الأب، شقوا طريقهم فعليا في عالم الفن وغير بعيدٍ عن صناعة الأفلام.
الوثائقي حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان ساندانس لهذا العام وحظي باهتمام وتقييم مشرفين ويمكن أن يقال عنه المزيد، ليس فقط للواقع الاستثنائي الذي عرضه بل للعناصر المتكاملة والداعمة التي شكلته. فللمشاهد المتنوعة الغنية بالعاطفة والانفعال وألوان الحياة انضمت الموسيقى التي تتقلّب لتلائم الصورة فنرى الإخوة مثلاً يرقصون على أنغام أغنية " الولد طرزان " لفرقة بالتيمورا الإيطالية أو ينتقلون لاستكشاف الخارج الذي حرموا منه وترافق تمردهم كلمات وأنغام فرقة " بلاك ساباث " البريطانية " هل هي نهاية البداية؟ أم بداية النهاية؟ " كما ترافقهم الكاميرا وحركاتها في أماكن مختلفة لا تجعل المُشاهد يشعر بالملل أو يقع ضحية سرد فاتر ومنفر.
نهاية يمكن الإضافة أن " قطيع الذئاب " ،عدا كونه وثائقيا ناجحا، فإنه مادّةٌ محفزة للتأمل والنقاش فبتسليطه الضوء على نمط حياة أسرة "أنغولو" طَرَحَ قضايا أخرى منها متابعة الدولة المتقدمة لمواطنيها وحرصها على نشأة صغارها. إن لم نقل أن عيون وآذان أمريكا المسلّطة على العالم غفلت عن شقة في الطابق السادس عشر في مانهاتن ولم يكن اهتمامها بمواطنيها أولى.

Nassira 12-9-2015