الجمهور الكسول ---نصيرة تختوخ

أتذكر جملة للمغني الأسطورة '' فريدي ميركوري '' يخاطب بها الجمهور قائلا :'' اتركوني أُمتعكم '' ويتجاوب معها الجمهور بكل القابلية والثقة والحماس. الفنان صنع مشواره الناجح بدأبه وموهبته وقدرته على التجديد وبعد ذلك صار له مكان ومدخل أوسع يتيح له المجازفة . الجملة لمن يتأملها فيها أكثر من علاقة الثقة والتعلق والتفاوت بين صانع المتعة والمستمتع الشغوف: فيها كسل الجمهور والمتلقي المستعد للاستسلام لما ينقله إلى الحالة الأخرى .
الجمهور الذي يبدو وكأنه يختلف من ساحات الغناء إلى أروقة المتاحف وكراسي المسارح ومعارض الكتب يتشابه في تكتله واستهدافه وكثيرا ما يقع في ذات الخمول الذي لا يثور عليه إلاَّ المبدع الحقيقي الذي قد تصطدم قناعاته بالقديم الموجود لكنها لا تثنيه عن المضي في طريق الجديد المغاير حتى وإن بدا غريبا.
المُقَلِّدُون في الأدب والفنون وحتى المبدعون الذين يكرّرون نفسهم لايسهمون فقط في تفاقم الخمول عند الجمهور بل في النفور بعد ذلك من كثرة التشابه و نحافة المشهد.
كلما ازداد المتكررون وأَسْهَمَ الإعلام في تعزيز سلوكهم بترويج طغيان المستنتسخ، كلما ازدادت قوة التيار الذي يوفر طاقة من تلتبس عليهم الأمور ويناسبهم دور المسايرين.
هؤلاء الذين يخترقون المستقبل بإبداعهم لأنهم ساعون للارتقاء والتحرر من الزمن ولايعودون للخلف إلا ليتقدموا للأمام هم من يحتمون من الغوغائية بخصوصيتهم وتميزهم ولايقعون في فخ النجاح المقرون بالشعبية ليتوقفوا عن الانتقال للمراحل الأخرى من تحولاتهم الممكنة.
عندما يوجدون ويتعاونون وينسقون يقدرون بيسر أكبر على التأثيث لواقع متحرك نحو الأسمى.
كل الملتقيات والتظاهرات والتجمعات باسم الثقافة عندما لاتكون أكثر من صور واستعراض للكلام ومداعبة للنرجسيات المجتمعة لاتدفع عربة الواقع الإنساني إلى الأجمل. شأنها شأن إعلانات المشاريع في دول العالم الثالث المصابة بتضخم الإيجابية وإفشاء الوهم الذي لا ينطلي على لغة الأرقام مادام البلد لا ينتقل من رتبه المتردية، أو يزحف في أحسن الأحوال من رتبة لأخرى زحفا لايكفي للشعور بالفخر.
النخبة التي يليق بها الاحترام هي التي تحترم موهبتها وتشتغل عليها وترى الوصول بعيدا، وعوض أولوية الجمهور ومايرضيه تروم التميز الذي يناسب مجال إبداعها. في النهاية الموهبة، الشغف بالإبداع مع الوعي تركيبة يشتعل بها صاحبها وانتباهه لها أكثر جدوى من منافسات وتقليد مقيتين أو محاولات للإرضاء.
للتذكير فإن فريدي ميركوري في بعض عروضه كان يشتم جمهوره الذي يعد بالآلاف مباشرة مازحا ويصفق له هذا الأخير بحرارة .
Nassira