ثرثرة على هامش الذبول


''ماذا تطلب الوردة الذابلة غير السقوط بين يدين حنونتين تدركان أن العطر يخلد وأن الذبول لايفني لغة الورد؟'' هكذا خلت الوردة الوسطى تحدثني وأنا أستعد لتجفيف الباقة التي أخرجتها من المزهرية.
قصصت جزء ا من السيقان و ربطت الحزمة بخيط قبل إخراجها للحديقة ، مالم يتأت لي و الجرس يباغتني برنينه.
كان علي أن أنظر من عين الباب لأرى إن كان الزائر مرغوبا فيه أم لا لكنني لم أفعل ، ربما لأن انسجامي مع عملي اليدوي جعلني أستعجل فتح الباب ثم إغلاقه و العودة إلى ممارستي التي بدت لي نبيلة إلى حد ما..
جارتي مونيك تقف منتصبة القامة، مصففة الشعر ، مشرقة المحيا رغم تقدم العمر بها ، أنيقة كما اعتادتها العيون و الصباح ومرآتها . تحمل في يدها علبة قد رسم عليها تمثال ما تبادر لذهني لأول وهلة أنه لآبولو.
مونيك عادت من اليونان راضية تماما عن رحلتها السياحية و أحضرت لي علبة حلوى كهدية . لو غادرتني بعد حديثها عن الرحلة فقط لقلت عنها أنها امرأة تعيش حياة مابعد التقاعد سعيدة، متناغمة لكن الحديث أخذنا إلى أمريكا و ابنتها التي تعيش هناك.
مضت ثلاث سنوات و لم تر أمها ، لم تأت في إجازة رأس السنة ولا عندما توفي والدها و لا حين احتفلت أختها بمقدم أول مولود لها.
أمريكا بلد كبير يبتلع الناس و يهضم أحلامهم الصغيرة ، يهدي هواجس و انشغالات و طموحا و يتيه المرء في دروبه.
قلق مونيك ظهر في كلامها كاسرا يطغى على متعة السياحة و السفر، مُتْعِبا، مشحونا، يحمل ثقل الأمومة و الذكريات و عب ء انشغال لا يخففه إلا اللقاء .
' لن أصبر طويلا ، هو شهر واحد وأسافر إليها .
لا بد أن أطمئن عليها. أحس أنها تخفي عني أشياء كثيرة وقد لايكون بجانبها من يخفف عنها '.
هذا مالفظه اللسان أما نظرات مونيك فكانت لوحة امتزجت فيها أطياف أسف و خوف وحزن.
حاولت أن أُخرجنا من لحظة الهزيمة و الشجن إلى لحظة انتشاء ، سألتها عن حفيدها الجديد وعن عمره فتوهجت كلماتها ببعض الفرح و الفخر قبل أن نودع بعضنا و أشكرها.
باقة الورد الذابلة مستلقية على الرف الخشبي ، كأميرة فرعونية تواقة للدلال و الخلود لاتزال في انتظاري.
استفزتني الوردة الوسطى وهي تفضل الصمت.
لم تهمس مجددا، لم تقل ذاك الذي كان يدور في خيالي كالدرويش.
لم تفهم الموقف، ربما لم يصلها حديثنا أنا و الجارة.
الورود لا تشبه النساء كما يدعون و لا تدرك أن أقصى ماقد تتمناه امرأة ذابلة هو أن تسكب آخر قطرات حنانها على من تحب.
Nassira