الإعتراف الحقيقيّ من الناس العاديين بالشّاعر غير موجود وقدر الكتّاب أن يُساء تقديرهم ــ هرمان هسه ( ترجمتي)



لا تغضب إذا لم أجب مباشرة عن سؤالك بشأن الكُتَّاب الذين أسيء تقديرهم. لقد حاولت جاهدًا لمدّة ساعة لكّن ذاكرتي سيّئة ولم تسعفني بأسماء الكتّاب الضّروريين. عندما حاولت ربط الأمر بالماضي وتذكّر كتّاب من الماضي البعيد أُسيء تقديرهم ولازالوا لم يُمْنَحوا حقّ قدرهم، مثل جان بول وبرينتانو وأرنيم وكلّ البقيّة، إنتبهت فجأة أنّه لايوجد كتّاب إلاّ ويُساء تقديرهم.
الكاتب كظهور مريب، يبدو وكأنّ قدره المُلِّح ضمن القطيع البشريّ أن يساء تقديره وكأنّ تلك في الحقيقة هي مهمّته الرّئيسية. طبعًا لايحدث الأمر دائما بطريقة خشنة 'بأن يخرج من الواقع ' بأن يُجوّع نفسه وحيدًا في غرف باردة في عليّة ما أو أو بطريقة ليست أقّل تفضيلاً بأن يصير مجنونًا.
هناك كتّاب يساء تقديرهم لأنّ كتبهم لاتُقرأ؛ كلّ الكتّاب الألمان الحاليين الكبار ينتمون لهذه الفئة. هناك كتاب آخرون أيضا قدرهم أنّ كتبهم بدزّينات ومئات من الطّبعات ولذلك ليسوا بأكثر تقديرًا. إنّ الإعتراف والتقدير الحقيقيين للشّاعر من النّاس العاديّين غير موجودين، إنّهما مجرّد تخيّل عند المؤرخّ الأدبّي. الكاتب، وقد يعرف ذلك أو لايعرف، ميتافيزيقيّ وليس لديه أبدا، وقد يعرف هذا أو لايعرفه أيضا، علاقة بِ 'الواقع '. لكّن مهمّته وكينونته يكمنان هنا، أن يتعرّف على الإنسان في صُدْفَتِهِ وتبدّله و أن يضع بدل الواقع والبشريّة المُصادفة حلمه الخاص بالإنسانية وحدسه المتعلّق بقدر الإنسان.
ذلك ما فعله دانتي و غوته وهولدرلين ومايفعله كلّ كاتب شاء أم لم يشأ، أدرك ذلك أم لا. الكاتب الذي يعي مايفعل، و الذي يفقد سذاجته، لا يتبقّى أمامه في وضعيته التي لاتُحتمل إلاّ طريقان: النهاية التراجيديّة، بالسّقوط خارج الإنسانيّ أو اللجوء للفكاهة. كلّ الكتاب الكبار سلكوا أحد الطريقين ولايوجد هناك طريق ثالث.
من أكبر الحماقات التراجيدية لحياتنا الإنسانية أنّها محتاجة للكتّاب وأنّها تقدرهم وتبالغ في تقديرهم و مع ذلك لا تفهمهم ولا تتبع كلامهم ولاتأخذ مايفعلون ومايتركون على محمل الجدّ.
لو كانت البشريّة بدون كتّاب لفقدت لعبة الحياة جاذبيتها الأكثر سحرًا. لكّن لو كانت تفهم كتّابها حقًّا وتتبعهم لكانت انهارت وكانت فقدت عبئها. يلزم الكثير من ضبط النفس والجدية والمثالية السطحية والمبادئ الأخلاقية والحمق للحفاظ على الوجود البشريّ وضمان استمراره. لذلك يجب أن يساء تقدير الكُتّاب حتى المحبوبون منهم والمشهورون، لذلك سيكون هناك دوما ' ستيفتر ' ينتحر و ' هولدرلين ' يصاب بالجنون.
هناك كتّابٌ كثيرون ليسوا كتّابا. هناك كتّاب لايمتلكون إلاّ قطرة أو عُشر قطرة من القدرة على الكتابة. لكّن جميع الكتّاب سواءً منحهم العالم شرف الشّهرة أو شرف الموت جوعًا يُساء تقديرهم وعلى الأمر أن يكون كذلك.