إحتمالات أكثر من الأسود والأخضر

على إصبعي جرح يشبه الأَلِف، سبَّبته حافة معدنية لسدّادة قنينة زجاجية. كنتُ أريد أن أملأها بزيت الزّيتون وأضعها في ركن تذهب إليه نظرتي وعوض أن يكون عديم التّصرف يظهر فيه لون الزّيت السّاكنة، لونها العميق. أتذكّر وقفة أشجار الزّيتون و كلمات أمّي عنها:' شجرة الزّيتون لاتُسْقِطُ أوراقها ' .أتذكر تلك اللحظة الغريبة حين تنطق أمّي بكلامها وأكون أنظر إلى الأوراق ولاأراها جميلةً، لا تعرف كيف تلعب مع الرّيح والضّوء كأوراق شجرة الحور. أشجار الزيتون على أطراف البستان وظهور الأرض أو حتّى في مركزٍ لاتبدو معنية بما حولها كثيرا، كنت أرى ثمارها وأنا طفلة وأكادُ أقول : 'ماهذا؟ لمَ هذا؟ ' وداخليًّا أفكّر أنّها ليست شجرة تجعل المرء سعيدًا. عندما كنت أراهم يجنون زيتونها ببهجة؛ لم أكن أبتهج إلاّ قليلاً؛ الاختلاف في الحجم واللّون و الاحتمالات الأكثر من الأسود والأخضر كانت تحمسني قليلا فقط؛ تلك النّشوة في الجني لم تكن تملأني وتلك الرّحلة الطويلة للثّمرة كي تصير نافعة كانت تشعرني بالاستغراب. الصّلابة في النّوى و الأكياس التي رأيتها مرارا موضوعة ثقيلة وكلّ ذلك الضّغط من أجل صحن صغير على المائدة كانوا يشعرونني بضآلة الإنسان والقهر. صحن صغير في طقس صباح تتعامل معه امرأة متوسطية حنونة كأنّه أساسيّ، وأظلّ أفكّرُ مالأساسيّ؟
قبل أن أجرح إصبعي كنت أفكِّر في سُمْرَةٍ رأيتها ذات يوم؛ لم أقتنع بأنّها مباركة بالشّمسِ فقط، رأيتها تميل للرّماديّ قليلاً، كنت أحاول أن ألغي التّخيّل وكأنّي أوبِّخ نفسي وأنهاها:' ليس الفتى حجرًا ' لكّن أمام لون زيت الزّيتون توقّفت. هؤلاء الجدّات المتوسطيات كنّ يحمّمن الأطفال بزيت الزّيتون قبل أن يلفوهم بعناية و شدّة. كي لايفزع الجُدُدُ ولاتتشقق جلودهم من البرد لاحقا؛ كي ينموا في أمان ؛ أوراق الزّيتون لاتسقط كما قالت أمّي وأبعد. إنّها تتغلغل في أحلام اليقظة وفي البشرة.
Nassira 31-10-18.