السؤال مثلا: مامعنى أن أحيا إنسانا؟

إذا تذكرنا هرم ماسلو و فكرنا في تطور الفرد و تركيزه على نفسه، ومحاولات تطوره تحت ضغط الجماعة قد ننتبه للأخطار المحدقة بمسار تحقيقه للهدف. ففي الأسفل ستبقى بلا شك الحاجات ( أكل، نوم، أمان) لكن الوصول لقمة الهرم أي تطوير الذات و المواهب الفردية مهدد عندما يتحول تحقيق النجاح وضمان المستقبل الجيد مَهَمَّةً ومرادفا لحفظ ماء وجه العائلة أو تجنيبها العار. ففي ثقافة الجماعة /ثقافة 'نحن ' هناك مسؤولية وتطلعات تضعها الجماعة(الأسرة، العائلة..) على عاتق الفرد تشعره بثقل دوره، وضِمنيا فإنها تجعله أيضا عرضة للمقارنات والتوبيخ و قد تهز صورته أمام نفسه إذا بدا أنّه يخيب الآمال.
في مرحلة حاسمة من تكوين شخصياتهم يجد بعض المراهقين من أسر مسلمة في أوروبا نفسهم ضعفاء اجتماعيا من ناحية الإمكانيات المادية لأسرهم وأقل زادا من أقرانهم من أبناء البلد الأصلي من حيث اللغة وبعض المهارات التي يتطلب اكتسابها وعيا للمربين بها وبفضلها على تكوين الشخص كمواطن مُتفاعل في بلد ديمقراطي ومتعدد الثقافات. فالتربية والتوجيه بالأوامر وإقرار الصحيح والخطأ بطريقة سلطوية يجعلانهما قاصرين ويُشْعِرانَ بالاضطراب أمام الخيارات الموجودة خارج البيت والحريّة الممنوحة في اتخاذ القرار.
تحديد الفرد لهويته يصير صعبا كلّما أحسّ بالتضارب بين 'هم ' و 'نحن' وتتعقد الأمور عندما يجد نفسه غير ذكيّ أو موهوب بما يكفي لنجاحات تُشْعِرُ مقربيه بالفخر. من الواضح أنّ كثيرا من أبناء المهاجرين يسعون قبل أقرانهم من أبناء البلد الأصليين لتحقيق دخل ماديّ ينفقونه في الغالب على مايتعلق بمظهرهم ( ملابس،أحذية،هواتف نقالة... بأثمنة باهضة) ولذلك بالطبع صلة وثيقة بصورة الفرد في نظر الآخر. محاولات الكسب السريع في مراحل عمرية مبكرة كما تؤثر على التحصيل الدراسي قد تؤدي أيضا إلى اللجوء إلى طرق غير مشروعة توصل المراهق (ة) أو الشاب (ة) إلى أقسام الشرطة والمحاكمات والمشاكل التي ما تلبث تتعقد. لاعجب إذن أن نجد الكثير ممن تورطوا في أحداث العنف التي ربطت بالتطرف كانت لديهم سوابق.
الحديث المُلِّحُ اليوم في أوروبا عن الاندماج لايغفل عن دور المؤسّسات التعليمية والمنكبون على دراسة مشاكل الشباب الأجانب وإعادة تأهليهم كثر، لكن مؤسّسة الديمقراطية المصغرة الأولى تظل الأسرة ومنه فإنّ التّقارب المنشود سيُسَهِّلُهُ دومًا السعي نحو انسجام القيم واتساع الأفق داخل الأسرة للحوار والتخفيف من صراع التجاذبات. الباحثة الهولندية أَمِي ـ جيين فان خيلن صاحبة كتاب 'التطرف والهوية ' أوردت في بحث لها بأن الشباب الذين يجنحون للتطرف يفتقرون غالبا لمهارات التفكير النقدي مما يجعل التأثير عليهم سهلا. كما أن علاقاتهم الأسرية ليست متينة و في بعض الأحيان يكون عندهم نقص في التواصل والاهتمام. قد يتضح أكثر دور الأسرة كمؤسسة ديمقراطية مصغرة وما جاءت به الكاتبة الباحثة عندما أذكر أنها طرحت أسئلة من قبيل:' من أنت؟ ما هو أكثر شيء تحبين القيام به؟ ماهو الأمر الذي تعتبرين نفسك جيدة فيه؟ ماذا تريدين أن تصيري في المستقبل؟ ' على فتيات مسلمات ولم يجدن إجابات على هذه الأسئلة التي لا تطرح عليهن في البيت ماقادها إلى الاستنتاج بأنهن لا يحفزن بما يكفي لتطوير ذواتهن. سأتجنب أيّ إسقاطات على الواقع العربيّ وأترك الأمر للمتأمّل مع التساؤل : 'ما حال تحفيز الفرد لتطوير ذاته ومهاراته ومواهبه من أجل نفسه وإنسانيته هناك؟'

Nassira 15-10-16--