'قليل من الفوضى' يبرع في مزج الحقيقة التاريخية بثمار الخيال


  • من سبق له وزار قصر فرساي، سيذكر حتما تلك الفتنة التي تمارسها حدائق القصر على من يراها، سواء انكشفت له من خلال النوافذ أو استلمته روعتها الكاملة وهو يتجول فيها ويقف على تفاصيلها، فيلم “قليل من الفوضى” يقحم المشاهد في هذا الجمال الآسر.
العرب نصيرة تختوخ [نُشر في 07/07/2015، العدد: 9971، ص(16)]
امرأة في حدائق الملك غير مرغمة وعلى طبيعتها
إلى فترة الاشتغال على حدائق قصر فرساي عام 1682، يعيدنا فيلم ”قليل من الفوضى” لمخرجه ألان ريكمان، مازجا الحقيقة التاريخية بثمار الخيال.
البستاني ومصمم الحدائق الفرنسي أندريه لونوتر، الذي اشتغل فعليا على عدّة حدائق ملكية من بينها تلك الخاصة بقصر فرساي، يكلف المصممة المبدعة سابين دو بارا بإنجاز مساحة للاحتفال في الحديقة، فتأخذ على عاتقها إنجاز مدرج فريد تتخلله الخضرة وتجاوره المياه وتتوسطه أرضية دائرية تفي بالغرض، المنجز في الفيلم هو ما يعرف اليوم ببوسكيه دي روكاي في حدائق فرساي.
يتألق النجم البلجيكي الصاعد ماتياس شخونارتس في أداء دور أندريه لونوتر وترافقه في رحلة الحب والعمل الممثلة كايت وينسليت، بغموض وحزن في دور مادام دو بارا، الأرملة التي يلفها حدادها كشباك يتعذر الخلاص منه.
أندريه لونوتر ومادام دو بارا يظهران مختلفين في طريقة نظرهما للبستنة والتصميم، فبينما يؤمن الأول بالنظام والدقة، تسمح الجميلة الشاردة لنفسها بإدخال نوع من الفوضى على تصاميمها، وكأنها تنتصر لحرية الطبيعة وانسجام عناصرها القادرة على التقارب وصنع الجمال.
لا يتردد أندريه في إبداء نقده لزميلته، لكنه لا ينكر عليها موهبتها وقدرتها على الإبداع وعندما يتابعها وهي تعمل، فإنه يظل لاجما لمشاعره، ضابطا لانفعالاته. ومع تقدم الفيلم تبدأ ملامح الحياة الخاصة للبطلين وماضيهما بالانكشاف أكثر فأكثر وتتضح الانكسارات التي يتكتمان عليها.
تبرع الممثلة البريطانية هيلين ماك كروري في إبراز تعالي وانحراف مادام لونوتر التي تدرك بعد فترة ميل زوجها للشقراء الخلاقة، وتقوم على طريقتها بمحاولة هزمها وتحسيسها بالفشل، ما لن يغيب عن إدراك زوجها، هذا الأخير وإن حافظ على هدوئه والتزم بصبره، فإنه لن يخفي تشكيله لموقفه وحسمه لاختياره.
تأتي دعوة الملك للمصممين إلى قصر “فونتين بلو” داعمة لمشاهد تحمل المزيد من الجمال المناسب لفترة تاريخية معروفة بالأناقة والآداب في التعامل، وتحمل حوارا بين الملك والمصممة لا تغيب عنه التأملات الشاعرية لرسالة الوردة ككائن مانح للجمال دون مقابل.
ومن نفس القصر ينطلق البطلان للعبور إلى الحب المتكامل بعد ما عانى من انقسامه بين قلبين مثقلين، يقاومان انكساراتهما على حساب صوته اللحوح.
يحسب لفيلم “قليل من الفوضى” الذي ترجم عنوانه في بعض البلدان إلى “حدائق الملك” انسيابه دون رتابة من البداية حتى النهاية، بما تأتى فيه من ديكور وتنقل بين المناظر الطبيعية والحوارات المختلفة، كما يلاحظ تجاوزه للتركيز على الطابع الفرنسي لشخصياته وعدم محاولة إبراز لكنات أو ميزات ثقافية كانت ستورط العمل ربما في مبالغات أو صور نمطية غير منصفة.
ويبقى ظهور سابين دو بارا كامرأة مقتنعة بموهبتها وشغوفة بعملها تصمم على النجاح في ميدان يسوده الرجال، رغم حزنها، فقد منح الفيلم بالتأكيد غنى وجدة إلى جانب أنّه نأى به عن السقوط في التشابه مع أعمال كانت فيها السيادة للحب الجارف وتجلياته وسلطته. فتكريم محبها لها في حديثه عنها للملك عبّر عن فهم المبدع الصحيح لطبيعة الموهبة واحترامه لتباين الرؤى.