أيّها المرهفون، توقفوا، حاولوا أكثر!-- نصيرة تختوخ


'' الأشخاص الذين يقولون لي أنهم لا يستطيعون مشاهدة صوري يجعلونني أغضب.
إنني شخص مهذب. أقول دوما:'' مامِنْ مشكلة، أتفهم. إنها معضلة.'' لكنها كذبة. عميقا بداخلي أصرخ بأعلى صوتي: '' لا تقدر على النظر إلى صوري؟ إذن حاول أكثر! أيها الناعم، المتذمر من العالم الأول! إستيقظ! هؤلاء أناس حقيقيون! إذا لم تقدر على الإحساس بألم في المعدة،  غادر هذا الكوكب! عليك النظر إليها ''.
المقطع أعلاه المترجم من كتاب '' بورنوغرافيا الحرب '' الصادر في أكتوبر 2014 للمصور الألماني كريستوف بانغرت يوضح جليًّا  موقف كاتبه مما التقطه من صور في الحروب ومن طريقة تعامل الآخرين معها. لنا أن نقرأ صرخته الداخلية ونتأنى، نتساءل أو نراجع تصرفنا أمام صور الحرب.
أهو محق؟ أم أنّ بعض الصور فوق قدرتنا على التحمل؟ مُنْصِفون أم مذنبون في نشرها أو تجاوزها؟
لنفترض بداية أنّها غائبة. أنّنا نسمع فقط عن الحرب، عن تحركات هذا الطرف أو ذاك وعن المواقف الدولية وعدد الضحايا. الموتى والجرحى الأرقام البعيدون عن التخيل لحما ودما وألما. سنفهم بالتأكيد أن الحرب ليست نزهة بالتأكيد لكن درجة القسوة والألم التي تحملها ستكون عند الأغلبية عصيّة على التصور .
'' الكاميرا عين التاريخ'' مقولة، من القرن التاسع عشر للمصور الأمريكي ماثيو برادي، نستحضرها فنستحضر تلك الوظيفة التوثيقية التي تميز الصور. والتي تحتاجها الحرب ومايأتي بعدها من محاولات فهم وحساب.
الدرجة المريعة للألم أو القسوة في الصور إن كانت تباغت مناعتنا وتشعرنا بالندم لأننا واجهناها بالنظر فإنّها لاتلغي تلك الحقيقة المُرَّة بأنّها واقعية وبأنّ السقوط في الموت أو الحفاظ على الحياة قد تسبقهما أثناء الحرب مراحلٌ من العذاب فوق التحمل. المشاهدة تتحدّى الخوف من الخوف وتعري إنسانيتنا أكثر لنتبين كيف أن عدم مجاراة الحذر تكشف انفعالات أخرى لصالح طبيعتنا السليمة.
كتاب كريستوف بانغرت الذي يحمل صورا من العراق مابين 2005 و 2009 وصورا من لبنان وغزة وأفغانستان
وبلدان أخرى نالت منها المصائب. يتضمن أيضا صورا بالأبيض والأسود تعود لجده الذي ظل وفيا لقناعته النازية حتى مماته وهدف الكاتب منها كما نستخلصه من إضافاته أسفلها بأن الحرب قد تبدو حدثا عابرا في التاريخ إن اخترنا أن نمسح عنها طابعها المؤلم أو نتجاهله لنتذكر فقط مايريحنا. جدّه الذي كان طبيبا عسكريا في الجبهة الروسية قد رأى مما لا يقبل الشك فظائع لكن كل ماتحدث عنه هو حصانه وذكريات ساحرة ورائعة له ورفاقه.
الحرب أبشع من البطولة والنصر إنها مايحول الآخر إلى عدوّ مستهدف ويستبدل التوحد في الإنسانية بلاإنسانية التنكيل والقتل وتحطيم أشكال الحياة الكريمة. التغاضي عن جانبها هذا ضرب من اللاواقعية.

عندما تزور العدسة بلاد الحرب وتنطق بالصور فإنّها تتوخى إيصال خطابها الذي منه الإنسانيّ المحض ومنه الملغوم بمآرب أخرى. درجة العنف أو الدموية في صور الحرب ليست مايجعلها الأكثر تأثيرا أو نجاحا في هزّ الإدراك كما أنّ بعض صور الحرب كانت وستبقى في خدمة بروباغندا معينة في ظلّ إعلام يتبع أهداف السياسة. هنا نعيد إلى الذاكرة صور الطائرات الحربية الأمريكية في أجواء العراق وإبرازها لتفوق الدولة المسلحة ذات النفوذ. ولنعترف أن التفوق في السلاح الجوي وأي إمكانيات عسكرية أخرى رافقه تفوق في الجريمة فضحته التقارير وقبلها الصور.