أوراق نصيرة تختوخ

لم أحتر وأنا اختار تقويما للعام الجديد. من بين عشرات التصميمات كان تصميم الرسام آنطون پيك هو الأجمل. لكل شهر رسم و كل رسم أنجزه الفنان الهولندي يعج بالحياة. دفء وحنين وحركة وتفاصيل تأخذ الناظر إليها...وجوه وطرقات و شوارع تؤدي إلى عالم الحكايا ,ودكاكين تغري بدخولها بسلة من قصب وزي من قرن مضى... في هولندا رسم آنطون مايخلده في يوميات و كتب و مدن ترفيهية و في قلوب الكثيرين عبر العالم صنع لاسمه و رسومه مكانا. قال آنطون پيك في إحدى حواراته الصحفية :'عندما لايزعجني شيء أعمل لمدة اثنتي عشر ساعة في اليوم من التاسعة و النصف صباحا حتى التاسعة و النصف مساء ا'. وبرهن على أن من تفانى في إبداعه و فنه يظل يحصد نجاحا وشهرة وحبا وإن غاب عن الوجود. ساعات عمله و جده التي كان يقتطعها من حياته الأسرية لازالت تثمر إعجابا ومحبة في عيون المتأملين لأعماله وتكتب استمرار عمره الفني. لاأستطيع أن أخمن عدد من سيختارون تقويما يحمل رسوم آنطون پيك لكنني أفهم كل هؤلاء الذين اختاروا لأنفسهم أو أهدوا أحبتهم نفس التقويم و كل هؤلاء الذين خصصوا مساحة في مدوناتهم أو يومياتهم للحديث عن رسوم أحبوها وكل

تحتاج المرأة إلى امرأة تطل عليها كظلها، تفاجئها كغيمة وتتحدث كشمعة تنير رويدا رويدا وتأبى أن تفضح كل المكان. تحتاج سيدة مثابرة حين تتعب من الأحمر والأخضر والبنفسجي إلى امرأة تشبهها. ترى شعلة الحياة في روحها وتتذكر القرنفلة التي كانت تسكن شعرها أو حقيبتها أو علبة أشيائها الألف. كل القصة صداقة فاضلة وحدهن النساء يضعنها في إطار تتزخرف بداخله الحروف وتستدير على بعضها كي تأنس. تتحدث النساء من القلب بلغة القلب ليستريح القلب وتستمتعن بالحديث. حين يضحكن يطير نورس إلى البلاد البعيدة باحثا عن مفتاح السعادة وحين يبكين يتحرك نهر لغسل الحزن. لاتردد الصديقة لصديقتها كلام شاعر مغرم يجعل من النساء ملكات ومن الأرض فردوسا لكنها تمشي معها على الأرض وتطوي همومها كالورق الملون. تخرج بعد الطي بجعا وفراشات وتقول لها أن الغد سيأتي سابحا أو طائرا وسيكون سارا و سارّاً. لا ينطفئ الأمل بين صديقتين تقرآن عيون بعضهما إلا بعد انطفاء الصدق بين روحين ولا تحزن امرأة وجدت صديقة إلا قليلا. كل عام و كل صديقاتي وكل النساء بخير،كل عام وآمالهن تحيا وتورق. Nassira

بالحب أغسل دمعك ياصديقتي الأمهات قديسات قلوبنا والأمهات حارسات أحلامنا والأمهات بدايتنا. أصدق الحب حبهن وأقسى الدموع دموعهن وأكثر السياط إيلاما عذابهن. عندما ترتفع أم إلى السماء تصلب قلوب وتظل تقطر حبا حزينا لم يمنح الفرصة ليقول كل شيء. ترحل الأمهات دون أن نعرف عنهن كل شيء وقبل أن نعترف لهن بكل  شيء ترحلن وحبنا لم يغرد كل أغانيه وواجباتنا تغلف تقصيرنا وتلفه بشريط من حسرة و آهات. ماتت أم صديقتي وقلت لو كانت بقيت قليلا لكانت شهدت زيجات الحفيدات ولكانت زغردت .وقلت لو كانت بقيت أكثر لكانت صارت أم الجدة بعد أن كانت أم الأم ،وقلت لو كانت بقيت عمرا بعد عمرها لما كان كفى. حياة الأمهات قصيرة مهما طالت لأنهن جزء من حلوى السعادة التي لانشبع منها و طبع الأمهات ينسينا طبيعة الفناء. ماتت أم صديقتي ولم يصلني الخبر إلا بعد أن كان شاخ . لاأعرف كيف أعزيها ولاأعرف إن كان للعزاء معنى حين تغيب شمس القلب. فكرت في أن أتهرب من صديقتي وفي أن أنكر معرفتي للخبر . فكرت في أن أكتب تعزية رسمية و أتصرف كالغرباء. فكرت في دموع الرجال والنساء حين يمشون خلف نعش طفولتهم وأحسست بالتفاف الموت على الحياة وبزيف

كأني وصلت ،والتقطت أنفاسي . الطريق خلفي طويل  وأمامي ضباب. تراني وصلت أم تراني أدس جناحي لأدخل الوهم؟ تركت على بعد نصفِ عُمْرٍ، ثرثرة سنابل وظل سنديان . تركت ماكان لنا وأخذت ماأُعطيت. لو كنت خُيِّرت ، لكنت أخذت غير ذلك ربما و ربما لكنت بقيت. تنهيدتي فراشة منهكة تحلق مرة واحدة وتموت. تهوي على رصيف بارد لاتعرفه. تراني وصلت؟  أحاول التقاط ماوقع ولاأرى  يدي وسط الضباب. تلك الأصابع لي ، أحسها لا تجد شيئا وأحسها ضائعة. كل الضحكات غزلتها شفاهي وكغزل البنات ذابت.  كل الذكريات رحلت ولحقها صداها مسرعا. كُلِّي يحاول التقدم لا الرجوع. يأكلني الضباب قضمة قضمة وأنا أستعيد أصابعي. أقول لها: 'سنخرج للوصول سوية' . وأقول لنفسي : 'قد نكتب نصف عمرنا الباقي في الضباب'. Nassira